ربما لم يكن فى مخيلة البطل عبد الله نيالا بطل سباقات ال(1500) متر، وبقية الفريق الاولمبي السوداني المشاركين فى اولمبياد بكين الحالية، انه وفي سبيل سباقه نحو الذهب ستصطدم طموحاته بسوداني آخر يحمل الجنسية الامريكية اسمه لوبيز لومونغ الذي ظهر في حفل الافتتاح الجمعة الماضية وهو يحمل العلم الامريكي، ويتقدم البعثة. وقد اعطى هذا الشرف لتحفيزه لتحقيق حلم الفوز بذهبية مسافة «1500» متر التي لم تفز بها امريكا منذ العام 1908م. ولومونغ الذي ولد في عام 1985م تعرض للخطف بغرض تجنيده عندما كان في قريته بالجنوب وعمره ست سنوات. غير انه نجح فى الهرب من مختطفيه إلى معسكر للاجئين بكينيا أمضى فيه عقدا كاملا. ومن ثم ذهب بعدها إلى امريكا في العام 2001م. وحصل على الجنسية الامريكية فى يوليو 2007م. ولومونغ احد قادة سفينة الاحلام الامريكية. وبين عدوه خوفا على حياته الى عدوه للفوز بميدالية ذهبية أولمبية فإن سيرته تصلح بامتياز لأن تصبح فيلماً هوليويدياً. وان كان لومونغ لم يدخل هوليوود بعد، فإن رفيقه امانويل جال مغني الهيب هوب البالغ من العمر «28» عاما، الذي استقر به المقام على الضفة الاخرى من الاطلسي، وصل بسهولة للشاشة الفضية. وامانويل جال من مواليد منطقة التونج ببحر الغزال لأب ناشط في الجيش الشعبي، ذهب في السابعة من عمره لاثيوبيا وتعلم القتال. وفي العام 1991 فاض الكيل به فحاول ومعه «400» طفل آخر الهرب من أتون الحرب، فلم ينج منهم سوى «12» طفلا فقط. وقد نجح كرستيان كروبوج المخرج السينمائي الألماني فى تحويل قصة حياة جال لفيلم تسجيلى باسم (الجندي الطفل)، الذى لفت الانظار فى مهرجان برلين السينمائى بداية العام الحالي.. مجسدا حياة شاب انخرط في الحرب منذ نعومة أظافره وتربى على الكراهية والقتل، لكنه نجح أخيرا في العثور على سلام النفس عبر الموسيقى. ليتحول من طفل قاتل إلى مغني هيب هوب مشهور فى العالم، يعمل على الغناء من اجل السلام والتسامح. ويشغل امانويل جال منصب المتحدث باسم جماعة (أوقفوا تجنيد الأطفال في الحرب). واصبح منذ العام 2006 سفيرا لمنظمة اوكسفام. فى الجانب الآخر تبدو عارضة الأزياء «اليك ويك» البالغة من العمر «30» عاماً افضل نموذج لفتيات السودان الضائعات، فقد اضطرت للهرب من واو فى التاسعة من عمرها، ووصلت لندن بعد رحلة طويلة من المعاناة استمرت خمسة اعوام. ومنذ العام 1996 احتلت صورتها اغلفة اشهر مجلات الازياء العالمية، محدثة ثورة فى عالم عارضات الازياء فقد اصبحت تمثل جمالاً من نوع آخر بعيدا عن الصور التقليدية للعارضات الشبيهات بالدُمى. سودانيون يتحدثون الاسبانية ويرقصون السالسا وفى بداية يوليو الماضى عاد نحو «600» من الاطفال الذين ارسلوا الى كوبا للتعلم، من بينهم «15» طبيبا، اطلق عليهم لقب «الكوبيون». وقالت كارول بيرجر الصحفية الامريكية التي تعد كتابا عن (الكوبيون) ان قادة المتمردين ارادوا ابعاد اطفالهم عن معسكرات اللاجئين في اثيوبيا حيث كانت الظروف مروعة. واضافت ان الاطفال ارسلوا في مجموعتين الاولى بحرا في سفينة سوفيتية من ميناء عصب الاثيوبي في العام 1985 والثانية جوا في العام التالي. و«لومونغ وجال واليك والكوبيون» هم نماذج من مجموعة تقدر ب(20) ألف شاب وشابة فروا عند اندلاع الحرب فى جنوب السودان مرة اخرى فى العام 1983م كأطفال في رحلة طويلة مرهقة وخطرة لم يرافقهم فيها أحد، قاطعين مئات الكيلومترات من المخاطر نحو اثيوبيا وكينيا. ويقول مصدر -فضل حجب اسمه- قضى قرابة العقدين من عمره بامريكا والتقى بهؤلاء الشباب انه ومنذ العام 2000 بدأ برنامج اجتماعى امريكي لاستيعاب قرابة ثلاثة آلاف في الولاياتالامريكية المختلفة. واضاف المصدر ان المنظمات الطوعية والكنسية ساعدت هؤلاء الاطفال على بدء حياة جديدة. واشار ايضا الى ان الاطفال الكوبيون مروا بمرحلتين اولاهما من ذهب للتدريب (الجيش الاحمر)، والثانية (فتيان ضائعين) فقدوا اسرهم بسبب الحرب. مرونة مدهشة ويلفت ناجى شيخ الدين الناشط فى المجتمع المدنى الى ان هؤلاء الفتيان أثاروا الإعجاب لدى من عرفوهم عن قرب، بالرغم من ماضيهم الأليم وخلفياتهم المتواضعة. واشار شيخ الدين فى ذات السياق الى حديث رئيس دائرة علوم الكمبيوتر في كلية فلوريدا جون تريفيلاتي التي يدرس بها عدد منهم، حيث قال تريفيلاتي (إنهم أكثر جدية بكثير من المعدل بالنسبة للشباب في سنهم من المراهقين). مضيفا أنهم يعملون ببطء في اتجاه هدفهم ولكن بصبر، وهم يساعدون بعضهم بعضا. وقد دهش المراقبون من سهولة تكيف الشبان السودانيين اليافعين في مجتمعهم الجديد. وقال أستاذ علم الأطفال في جامعة بوسطن د.بول غيلتمان عنهم :(إنك تتوقع من أي شخص مر بمثل هذه التجارب أن يعاني من مشاكل صحية، وجسدية وسيكولوجية). وقد وجد غيلتمان أن «20%» فقط من هؤلاء الفتية عانوا من ظواهر نفسية مثل الكوابيس أو مصادر القلق المستدامة، وهي أعراض تحدث عقب تعرض الإنسان لاضطراب مرهق. مما جعله يجزم بأن الفتيان الضائعين لديهم قدرة استثنائية على البقاء. ويقول ايضا إننا إذا وفرنا لهم البيئة المناسبة، مع قدر معقول من خدمات الدعم، فإنه لا شيء أقل من النجاح في الحياة سيكون حليفهم. ويبدو ان حديث د.غيلتمان اثار حفيظة وليد حامد القيادى بالحركة الشعبية ودفعه للتحسر على هذه المواهب التى استفادت منها دول اخرى. ويقول انه لابد من اجراء مصالحة وطنية شاملة لاستيعاب الدرس، وجعل السودان بلدا جاذبا ومستقرا تزدهر فيه المواهب. فينيق تل ابيب! ومع اندلاع ازمة دارفور تدفق لاجئون سودانيون نحو اسرائيل بأسرهم بمعدل يبلغ (20) لاجئا يوميا. ووفق بعض التقديرات يبلغ عدد السودانيين الموجودين في إسرائيل حوالي ستة آلاف شخص. فى وقت لا تتوافر فيه لتل ابيب آلية أو نظام حصص يحدد عدد اللاجئين الذين يمكن للبلاد استقبالهم سنويا مثلما هو الحال في البلدان الغربية، ويُعتمد بدلا من ذلك على لجنة تعلن قبول عدد من اللاجئين يتراوح بين «10» و«20» ألف لاجئ سنويا. ويشير شيخ الدين فى هذا الصدد الى ان هناك غموضاً يكتنف الموقف الإسرائيلي الرسمي تجاه قضية السودانيين المتسللين إلى أراضيها وامكانية منحهم الجنسية الاسرائيلية، بسبب طبيعة المجتمع اليهودي المنغلق، ويشير شيخ الدين الى ان غالبية ساحقة من نواب الكنيست طالبوا فى وقت سابق باستيعاب اللاجئين السودانيين في إسرائيل. ويتوقع وليد حامد ان تقوم الحكومة الاسرائيلية ومجتمعها المدني برعاية هؤلاء اللاجئين، ويشير الى ضعف المورد البشري فى اسرائيل. ولا يستبعد ايضا ان تشهد السنون القادمة ظهور نجوم اسرائيليين من اصول سودانية خاصة في المجالات الرياضية. ورغم ان البعض يشكك فى حدوث ذلك لأسباب تتعلق بالتباينات بين اسرائيل من جهة واوروبا وامريكا من جهة اخرى، إلا ان الايام وحدها كفيلة بالرد على سؤال: هل سينهض جيل جديد من طيور الفينيق، ومن تل ابيب هذه المرة؟!.