لا يمكن لأي سوداني راشد عاقل أن يستوعب أو يفهم المردود السياسي لوجود مولانا محمد عثمان الميرغني رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي وإن شئت الدقة قل أحد فروع الحزب الاتحادي في الخارج، متجولاً بين مكةوجدة والمدينة والقاهرة والاسكندرية «فاتحاً» لحلة حمد والجنينة المقابلة للنيل الأزرق بالخرطوم. فسيادته بدأ «اغترابه» معارضاً ثم رمى طوبة المعارضة وأصبح في منزلة بين المنزلتين، فهو رئيس التجمع المشارك جزئياً في الحكومة والمعارض في بعض فصائله.. ثم تجد سيادته متوسطاً لتحسين علاقات الإنقاذ بالقاهرة وأريتريا ثم داعياً مسلحي دارفور للتفاوض مع الحكومة ثم عارضاً وساطته بين المؤتمر والحركة، لقد أصبح سيادته في حالة قطيعة كاملة مع الشعار الذي بدأ به نشاطه السياسي الخارجي «سلم تسلم» وأصبح أقرب للتمكين. لم يعد للتجمع أو الحزب الاتحادي أي نشاط بالخارج وهل نقول ولا بالداخل؟؟؟ ولكن رغم ذلك ظل مولانا الميرغني يدعو أركان قيادته في التجمع وفي الحزب للاجتماع به في الخارج ولعلها من السوابق في السياسة السودانية أن يخرج المكتب السياسي لحزب بكامل هيئته للاجتماع برئيسه في الخارج بدلاً من أن يأتي الرئيس للاجتماع بجماعته بالداخل، المعروف أن السياسة كممارسة إنسانية يمكن فهمها بإعمال مبدأ المدخلات والمخرجات أي حسابات الربح والخسارة، فما هي الدواعي التي حدت بمولانا بالوجود في الخارج ويضرب مرؤوسيه أكباد الطائرات للاجتماع به؟ وما هي الفوائد العائدة للحزب من هكذا تصرفات؟؟؟ في تقديري أنه لا توجد فائدة من ذلك إنما على العكس تماماً توجد مضار جمة اللهم إلا إذا كان في الأمر بعد باطني، فالأمر المؤكد أن مولانا يقف على رأس طائفة دينية كبيرة ومحترمة وصوفية، ففي التصوف كما هو معروف يمكن أن يكون المتاح للعقل أقل بكثير من المتاح لما وراء العقل ومساحة الباطن أكب من مساحة الظاهر، عليه لا توجد مشكلة إطلاقاً بالنسبة لمولانا إذا أخضعنا حراكه السياسي للباطنية الصوفية.. ولكن إذا انتقلنا به للمقاييس والمعايير التي تواضع عليها البشر فالأزمة تبدو بائنة. ستكون معجزة من المعجزات أو فتحاً من الفتوحات إذا ظهر حزب اتحادي موحد في إنتخابات 2009م «طبعاً إذا قامت هذه الانتخابات» فكل الدلائل تشير الى أن عدة أحزاب اتحادية سوف تخوض تلك الإنتخابات «إذا قامت» وستكون منافسة المرشح الاتحادي للاتحادي الآخر أكثر شراسة من منافسة مرشح حزب آخر «هذا إذا قامت» وقد يدخل نواب اتحاديون البرلمان بقوتهم الذاتية أو الطائفية وليس الحزبية «هذا إذا قامت» ولن تكون هناك كتلة اتحادية واحدة في البرلمان «هذا إذا دخلت» وستكون منقسمة بين الحكومة والمعارضة «هذا إذا تشكلت» فهكذا سيظل الحزب الاتحادي الديمقراطي موجوداً كاسم وغائب كفاعل، فأزمة الاتحادي من أزمة السياسة الحزبية في السودان لا حي يُرجى منه ولا ميت يترحم عليه. أي تنظيم سياسي لابد له من قيادة وأية قيادة لتنظيم سياسي لابد أن تكون لديها القدرة على فهم المجال الحيوي الذي يتحرك فيه ذلك التنظيم، بعبارة أخرى تكون لديها القدرة على فهم تطلعات القاعدة وصياغة ذلك في برنامج سياسي وخطة عمل، ولكن عندما تصبح القاعدة في وادٍ والقيادة في وادٍ آخر يصبح وجود التنظيم بين الرية والترية وليس بين القاهرةوجدة.