كما لو كان هناك تنسيق مسبق، وتآمر غير معلن في ابقائى مثل السيف وحدى عزابياً ضمن ثلة من المتزوجين، فقد قرر اربعة من أعز أصدقائى الزواج في الفترة الفائتة و«تساقطوا» واحداً تلو الآخر في قفص الزواج.. الزواج الذى وصفوه بالجميل تماماً ولكنه ليس أجمل من العزوبية كما قال لي أحدهم من باب المواساة فيما يبدو.. القاسم المشترك بين زيجاتهم الأربع انها كانت تختم بقنبلة تنفجر غناءً ويتجاوب معها الناس بتطريب زائد وشىء من الرقص على هبوطها البائن بينونة كبرى.. فلحن الأغنية يلامس في كثير من جوانبه أغنية «راجل المرا» سيئة الذكر، حيث أبقى على قالبها اللحنى وأعيد تعبئته بمفردات جديدة اتخذت فيما بعد توصيف اغنية تجاوزاً على شاكلة: قنبلة.. سماحة الزول في الطول والعلا دى قالوا احتمال تنفجر.. قنبلة بقيف معاك والله ما بجر.. قنبلة ما بفيد الصد والهجر والبتحصل أنا بحملا والى اعلانه هنا، لاحتماله لكل ما من شأنه ان يحدث من محبوبته القنبلة وشيكة الانفجار، يبدو الأمر عادياً، لكن الفنان بعد ذلك يبدأ في ايراد العديد من أنواع الأسلحة من باب التغزل في محبوبته، وهو تغزل له صلة بإنتقال ثقافة الحرب التى استعرت في بعض المناطق بالبلاد، نقلت الى المركز الذى كان على الدوام يتغزل بمفردات مغسولة ليست على هذه الشاكلة: العيون سلاح الموت والخشيم دا كاتم صوت في الجو وبالبرشوت جيوشك على انقلا وتمضى أغنية قنبلة التى تكشف عن عنف في الشخصية السودانية ربما اثر تحولها الى التغزل بالأسلحة بعد ان كانت تتغزل بالفواكه من لدن الرمان والبرتقال والعنب والتفاح وليس السلاح.. تمضى الى الحديث عن الأسلحة بأنواعها المختلفة: يا عيوني ما تملى الخد مسدس ستة مل الايدين كلاشنكوف والقوام يشهي الشوف والصورة الذهنية التى يمكن ان ترسمها عبر أذنك وانت تسمع هذه الأوصاف للامرأة القنبلة تجعلك زاهداً ليس فيها فحسب، بل في الغناء نفسه الذى لم يجد اخيراً ما يشبه به خد المحبوبة سوى مسدس ستة مل ولا أياديها سوى بالكلاشنكوف وعيونها بسلاح الموت..! والناظر الى خارطة الغناء السوداني يلحظ ان هذا النوع من الغناء موجود في السودان خاصة في اغانى ما بعد الحرب العالمية الثانية مثل: قائد الاسطول: «لحاظو كالقذائف وانا من عيونو خايف.. والأعين تفعل فعل الماكسيم.. ومعروف ان الماكسيم هو أشهر المدافع المستخدمة في الحرب العالمية.. وان بدا العنف في الغناء الغزلي عصياً على الهضم من البعض، فإنهم يتعاطون هذا النوع في أغانى الحماسة دونما ماء، ويفيضون طرباً ورجولة وهم يرددون مع «بت مسيمس» وهي تتغنى في شقيقها البطل عبدالقادر ود حبوبة: بتريد اللطام أسد الخشاش الذم هزيت البلد من اليمن للشام سيفك للفقر قلام وان أخذ الفنانون اليوم وضعهم الاجتماعى اللائق، فقد عانوا في السابق من نظرة جائرة كانت تضعهم في موضع انصاف الرجال، وقاسوا عزلة اجتماعية، دفعتهم فيما يبدو للجوء الى شىء من العنف في أغانيهم لإثبات نقيض ذلك، ولم يكن مستغرباً ان يكون الحاج محمد أحمد سرور هو أحد فتوات ام درمان.. أما الآن فلا مبرر للغناء للقنابل فالناس كما هم بحاجة الى هواء نظيف فإنهم بحاجة الى غناء نظيف كذلك..