اغلقت وزارة التعليم الولائية «11» مدرسة كانت تنظم الدروس الخصوصية مدفوعة الثمن لتلاميذها.. فهل مثل هذا الإجراء كفيل بتجفيف منابع الدروس الخصوصية؟ وأيهما اجدى: محاربة الظاهرة أم معالجة الاسباب؟ وما رأي أولياء الأمور والمعلمين والتربويين حول هذه الظاهرة التعليمية التي نشطت مؤخراً بصورة مبالغ فيها؟ وما حقيقة الصراع حول بعض المعلمين الذين اشتهروا بتنظيم الدروس الخصوصية لطلاب الشهادة السودانية خاصة في الاحياء، والكيمياء ومقابل مبالغ باهظة تصل إلى (02 - 03) جنيهاً للحصة الواحدة؟.. (الرأي العام) اجرت استطلاعاً واسعاً حول ظاهرة الدروس الخصوصية للاجابة على هذه التساؤلات... ------ صراع على المعلمين ? هل انتهى زمن المجموعات ودرس العصر بعد ان سحبت الدروس الخصوصية البساط منها إلى غير «رجعة»؟.. وهل أصبحت المدارس الحكومية والخاصة تهتم بالعائد المادي فقط دون ان تهتم بتجويد الاداء الاكاديمي مما دفع التلاميذ للجوء إلى الدروس الخصوصية مهما كانت تكلفتها؟ - في الواقع يبدأ الصراع على معلمي الدروس الخصوصية قبل بداية العام الدراسي وكل مدرس ينتهي من تحديد عدد طلابه باكراً.. وأصبح شعار الطلاب سنوياً «احجز درسك من الآن» .. ومدرسو الدروس الخصوصية منتشرون بجميع الاماكن تعلن عنهم لافتاتهم، وصار لكل منهم منطقة نفوذ، ورسوم الحصص مرتفعة لدرجة انها جعلت أولياء الأمور «يصرخون» حين وصلت الحصة الواحدة في بعض المناطق إلى «05» جنيهاً. ? بعض أولياء الأمور يرون ان الدروس الخصوصية أصبحت الطريقة الوحيدة لينجح أبناؤهم لأن المدارس كما قالوا خلال لقاءاتنا بهم ليس بها أدنى اهتمام بالفصول والتلاميذ، والمدرسون الذين يعملون بها يبحثون عن الدروس الخصوصية، والطالب الذي يرفض الدروس يتم اضطهاده من قِبل المدرسين وزملائه التلاميذ. ويقول المواطن هاشم السر أبناؤنا يشتكون دائماً من التدريس داخل الفصول الذي اصبح «عدي من وشك» والتلاميذ يخرجون من الحصة وهم غير «مستوعبين» للدرس، لذلك اصبحت الدروس الخصوصية ضرورة تقتضيها الظروف وهي تقدم خدمة مميزة لمن يدفع فالمدارس أصبحت لا تدخر جهداً في امداد التلاميذ بكل ما هو متاح، واضاف بالرغم من اننا نلحق أبناءنا بالمدارس الخاصة على اساس انها «ستغنينا» عن الدروس الخصوصية إلا اننا نجد انفسنا مضطرين للبحث عن استاذ لتدريس ابنائنا في البيت، فالمدارس الخاصة اصبحت «لا تسمن ولا تغني من جوع» حالها كحال المدارس الحكومية التي اصبحت طاردة ولا يطمئن ولي أمر على مستقبل ابنه فيها. وقال انا احجز لابنائي مبكراً حتى أضمن لهم مكاناً عند الاساتذة البارعين خاصة ان تلاميذ هؤلاء المدرسين يحصلون سنوياً على درجات ممتازة في امتحانات الشهادة، والغريب ان التلاميذ يقولون دائماً ان الاسئلة التي يعطيها لهم المدرس في الحصص الخصوصية تأتي متشابهة لاسئلة الامتحانات. أسعار الحصص تتراوح ما بين (20) جنيهاً للحصة العادية و(30) جنيهاً للمميزة والطريف في الأمر ان التلاميذ الذين يتلقون الحصص العادية يكونون داخل غرفة بمراوح، أما المميزة فداخل غرفة مكيفة. ويرى الكثيرون ان للمجتمع دوراً كبيراً في انتشار الدروس الخصوصية حيث اصبح الناس يتفننون في اطلاق الالقاب على نجوم التدريس فظهر «فرعون التاريخ عندليب الشعر، وعلامة اللغة العربية و«جهبذ» الفيزياء مما زاد نفوذهم ورفعوا الحصة إلى «05» جنيهاً.. وتتساءل المواطنة انتصار حسن: لماذا لا ترجع الحكومة المدارس للمقررات القديمة البسيطة المحببة للتلاميذ؟ وقالت عندما كان المنهج القديم موجوداً كان الاقبال على الدروس الخصوصية قليلاً «جداً»، ولكن النظام الحالي «شتت» ذهن الطالب وزاد الاعباء الملقاة على الاسر.. وحتى إذا كان وضع الأسرة ميسراً تجدهم «يصرخون» من «مافيا» المدرسين.. وقالت: إننا نريد حلاً!! ونريد مدارس قوية ومدرسين «مخلصين» يكفون الشعب السوداني شر الدروس الخصوصية. بعيد المنال ويرى الاستاذ عبد الحفيظ النور - معلم سابق - ان الحديث عن القضاء على الدروس الخصوصية أو الحد منها أمر بعيد المنال لعدة اسباب من بينها ارتفاع الكثافة داخل الفصول وعدم بناء مدارس جديدة وانخفاض اجر المعلم.. وحتى المجموعات المدرسية التي كان يعتمد عليها في تقوية مستوى التلاميذ أصبحت واحدة من أهم الآليات التي يعاني منها اولياء الأمور، وللاسف هذه المجموعات تحولت من فكرة تهدف إلى تقديم خدمة مميزة مقابل اجر رمزي كما كانت في السابق إلي وسيلة ضغط على ولي الأمر وتمارس تحت شعار: (ادفع وإلاّ رسب ابنك)، وتحول مديرو المدارس إلى مجرد قائمين على جمع الاموال دون متابعة لسير العملية التعليمية ولا تهمهم مستويات التلاميذ لذلك يفضل اولياء الأمور ان يأخذ ابناؤهم دروساً خصوصية عند اساتذة بارعين.. وهاجم الاستاذ محمد البشرى السياسات التعليمية لوزارة التربية والتعليم التي زادت بقراراتها المتسرعة والمتقاطعة والمتضاربة احياناً ظاهرة الدروس الخصوصية، وقال إن للظاهرة اسباباً كثيرة ومتشابكة، جزء يتعلق بالطالب واسرته وآخر يرجع للعملية التعليمية نفسها فعندما فرضت الوزارة المنهج الحالي لم تعط الوقت الكافي للقائمين على التعليم للتدريب عليها فيضطر التلاميذ للجوء إلى ذوي الخبرة من المدرسين محترفي الدروس الخصوصية وبتلك المبالغ الكبيرة طلباً للنجاح، فالمناهج ما زالت مكدسة بالمعلومات والتطوير ما هو إلاّ تصريحات، ومراكز التطوير بالوزارة مليئة بغير المتخصصين الذين يؤلفون الكتب وهم على هامش العملية التعليمية وبالتالي اصبحت اساليب التدريس التلقينية هي الانسب في التعامل مع هذه المناهج والتركيز فقط على اجتياز امتحانات آخر العام. فصول التقوية يقول د. محمد إبراهيم - استاذ علم الاجتماع - الدروس الخصوصية ظاهرة حديثة على المجتمع السوداني وعمرها لا يتعدى ال «02» عاماً، وهناك على ما اعتقد محاولات جادة لعلاجها في المدارس بتطبيق نظام فصول التقوية والمجموعات الخاصة بالتقويم، ولكن ارى أنها عملية التفاف وليست عملية مواجهة للقضية وعلى الحكومة ان تعيد المدارس إلي سابق عهدها والفصول إلى كثافتها المقبولة، وإعادة المدرس الى وضعه الاجتماعي والمادي الصحيح وبذلك تختفي الدروس الخصوصية ويرتاح اولياء الأمور من الصرف المتواصل طوال العام الدراسي.. ويشير د. محمد إلى اقتراح يمكن تطبيقه وهو ان الاستاذ المتفرغ الذي لا يعمل خارج المدرسة يحصل على مرتب مختلف تماماً من غير المتفرغ الذي يعمل في مكان آخر فلماذا لا يطبق هذا النظام كما يطبق في الجامعات وبجانب ذلك لا بد لوسائل الاعلام ان تلعب دوراً مهماً في هذا المجال فعليها عبء كبير في تغيير السلوك الاجتماعي والتغيير من فكر الناس وسلوكهم فهذه ليست مشكلة تستعصى على الحل!! ويضيف انه في امتحانات الاساس والثانوي نلحظ سنوياً ارتفاع المجاميع وهذا يعود إلى نوعية الاسئلة التي توضع من قبل الوزارة فلا يوجد فيها ما يسمى بالاسئلة الابداعية أو الابتكارية فمعظم الاسئلة في مستوى الطالب المتوسط.. وهذا يدعو إلى ضرورة ان يكون هناك تشريع يواجه هذه الظاهرة طالما ان أولياء الأمور ينساقون وراء احلامهم في حصول ابنائهم على نسب مرتفعة مما يجعلهم يسرعون لحجز الدروس الخصوصية لدى «المافيا» من بداية الاجازات وبمبالغ طائلة. لا حرج وأوضح البروفيسور عبد العزيز مالك - مساعد الامين العام للشؤون العلمية والبحوث بهيئة علماء السودان - مستشار التعليم سابقاً - ان هناك ثلاثة اتجاهات في الدروس الخصوصية وهي: مشروعية الدروس الخصوصية ممارستها واستمرارها. والاصل في الاشياء الاباحة ما لم تتعارض مع الثوابت او تؤدي لضرر بين الناس، والمشروعية في الدروس الخصوصية قد يكون هناك حاجة ماسة للحاق بمن فاته شيء من الدروس بسبب علة او غياب مبرر. أو قد تكون رغبة الآباء الميسورين ان يتفوق ابناؤهم بزيادة الاستيعاب والتمكين في فهم الدروس الخصوصية. فلا حرج في ذلك بأن الدولة لا بد لها من ان تقيم مسارات الحكم للعدل بين الناس دون قهر للاغنياء عن السير في مسطرة الفقراء ودون تعدي على نفسية الفقراء بسيادة منهج الاغنياء بطراً.. فمن اراد من الاغنياء ممارسة حياة خاصة له ذلك في الدروس الخصوصية دون شراء لذمم المعلمين حتى يكون بائع الدروس الخصوصية برداً وسلاماً على المعلمين ورزقاً حلالاً يأكلونه ويتمتعون به من فائض القيمة، وعلى ادارات المدارس ان لا تجعل من الفقراء غير القادرين على ممارسة الدروس الخصوصية سبباً لضياعهم بل تقيم حصصاً اضافية برسم خفيف الظل على المتوسط من الناس ومجاناً للفقراء منهم، ولكن لذات القيمة التعليمية التي تؤدى لابناء الاغنياء، وان الاعتراف في الواقع والتعايش معه فطنة للدولة في حكمها على الناس حتى لا يشعر أي من الناس غنياً كان أم فقيراً بأنه يحجر عليه ممارسة طموحه، وقال في ممارسة الدروس الخصوصية لا بد من سيادة القيم الاخلاقية للتعامل من قبل المعلمين والآباء معاً على ان لا تكون هدفاً تعليمياً انما جزئية تفرضها الضرورة وليست سنة التعليم العام في حياة الناس، ولا ينبغي ان نحارب الظاهرة، ولكن ينبغي معالجة الاسباب المؤدية إلى سوء استخدامها حتى يتعافى المجتمع منها ما أمكن ذلك من خلال جودة التدريس وحماية المعلم وسلامة حقوقه. وقال الاستاذ محمدين عتيق الله مدير مرحلة الاساس بوزارة التربية والتعليم انهم في الوزارة يمنعون قيام الدروس الخصوصية حتى التي تقام داخل المدارس حيث اغلقنا «11» مدرسة في الاجازة الصيفية الماضية بسبب ممارستها للدروس الخصوصية، وقال إننا نقوم بمعاقبة أي استاذ يعمل فيها اذا وصلتنا أية معلومة تؤكد ذلك حتى إذا دعا الأمر لمداهمته في منزله وايقافه عن ذلك.