مشكلة عثمان عمر الشريف، وزير التجارة أو ربما ميزته - لا أدري على وجه الدقة - أنه القيادي الإتحادي الوحيد الذي يُذكِّرك بأن الحزب الإتحادي الديمقراطي (الأصل)، أصبح بالفعل حزباً حاكماً، مثله مثل المؤتمر الوطني تماماً. وبينما نفض الكثيرون يدهم من الإجراءات الإقتصادية الأخيرة، وخرج البعض احتجاجاً عليها في الشوارع، فاجأ الوزير الشريف الأوساط السياسية باعتراف صادم لجاهير الحزب قال فيه على ذمة الصحافة أمس: (إن الحزب الإتحادي الأصل شارك في وضع السياسات الاقتصادية الأخيرة). ولم يتوقف الشريف عند دهشة ذلك التصريح المثير، فعمد إلى رفع حاجب الدهشة إلى أقصاه حينما امتدح تلك السياسات الحكومية التي رُفِع بموجبها الدعم عن المحروقات، وبرّر ذلك بأن تلك السياسات تنطلق لمحاصرة الأزمة الفجائية وإيقافها عند حدها، ثم تستهدف إيجاد بدائل سريعة لتعويض ما تم فقده من موارد. أو كما قال في معرض رده على القيادات الإتحادية التي شكّكت في أهمية مشاركة الحزب وديكوريتها، وضعف إسهامها في قضايا من قبيل مفاوضات أديس والأزمة الخانقة في البلاد. باستثناء قيادات المؤتمر الوطني في الحزب والحكومة، فإنّ الكثيرين قد نأوا بأنفسهم من الدفاع عن الإجراءات الاقتصادية الاخيرة، وأنكروها إعمالاً للمثل الشعبي (الشينة منكورة) لجهة أنها تشكل ضغطاً مباشراً ليست على الموازنة العامة للدولة، وإنما ضغطاً على ميزانية كل بيت. حتى إن الكثير من نواب الوطني إنتقدوا تلك الإجراءات. ولكن عثمان عمر الشريف المحامي تصدى للمرافعة عنها على طريقته. فالشريف كان أبرز معارضي الإنقاذ، وأكثر قادة الإتحادي تأذياً منها وهجوماً عليها، ولكنه رضي عنها أو رضيت عنه لا فرق، منذ مشاركته ضمن مجموعة انتقاها مولانا محمد عثمان الميرغني بعناية فائقة لتكون وزراء في حكومة القاعدة العريضة. ومن موقعه في وزارة التجارة التي يحبها الإتحاديون، أصبح الشريف يوجه رصاصه المحشو غضباً في وجه منتقدي المشاركة والداعين الإتحادي (الأصل) للقفز من قطار السلطة حتى قبل أن يكملوا عامهم الأول، الأمر الذي أكسبه غضب من كانوا في عداد أصدقائه من قادة الإتحادي الذين يرون في المشاركة خصماً على الحزب، كما أكسبه رضاء آخرين احترموا فيه مبدئيته.. أو كما قال لي أحدهم مرة (عثمان عمر عارض بقوة وشارك باقتناع، وفي مشاركته كما في أيام المعارضة الناس في تقييمه فريقان لا مجال للرمادية بينهما.. إما يحبونه بشدة، أو يكرهونه كذلك). من الآخر، إذا صح حديث الوزير عثمان عمر الشريف عن مشاركة حزبهم في الإجراءات الاقتصادية الاخيرة، فعلى قيادات الإتحادي وجماهيرة الغاضبة أن لا تضل طريقها إلى الشارع. فالوجهة الصحيحة لأي احتجاج محتمل من هذا القبيل، هي أن يذهبوا إلى (الجنينة) أو (دار أبو جلابية) للهتاف بإسقاط الزيادات وربما أشياء أخرى.