(الوطني قدم نفسه في الانتخابات الماضية وفق القانون الذي وافقت عليه كل القوى السياسية عندما كان أبوعيسى رئيس المعارضة عضواً في البرلمان، لذا لا أرى سبباً لكائن من كان سواء في المعارضة أو الحكومة بأن يطالب الحزب بالقيام بعمل لا يرغب الشعب فيه).. بهذه العبارات قطع الحزب الحاكم دابر أي أمل في التنازل (قيد أنملة) عن موقفه الرافض للانتخابات.وضوح عبارات حامد صديق المسؤول التنظيمي بالوطني وحدتها، أعادت لذاكرة الخرطوم تصريحات سابقة للدكتور مصطفى عثمان إسماعيل عضو المكتب القيادي للحزب في ندوة سياسية بالشمالية وأن كانت بعكس حسم الاول، فتح الباب وكشف فيها استعداد حزبه لخوض انتخابات مبكرة تستبق الموعد المحدد بعام أو عامين، مشترطاً حينها موافقة كل القوى السياسية ، لتتوالى ردود الافعال بين دهشة وذهول وبين شك وتكذيب، قبل أن تقطع جهيزة الوطني قول كل خطيب ب(لا) النفي التي بلغت حداً في ايقاف تصريحات المسؤولين بالحزب الحاكم وقصرها على الناطق الرسمي.صمت الكثيرون من منسوبي الوطني ازاء نفي حزبهم لقيام أي انتخابات مبكرة، كشف عن ثمة اجماع على تصريحات الرجل وموقفه الحاسم ، في المقابل أعتبر مراقبون أن رفض الوطني ليس بجديد وهو أمر تكرر في مواجهة أي دعاوي مماثلة ، ويرون أن المختلف في الامر هذه المرة، أن الدعوة جاءت من حزب متقارب مع الحزب الحاكم ايدولوجياً، وفي توقيت يوصف بالعاصف على خلفية الاجراءات الاقتصادية المعقدة التي تبنتها الخرطوم وأثارت سخطاً جماهيرياً، ما جعل الاخوان المسلمين يدفعون بمقترحهم لفك حالة الاحتقان التي تحاصر الوضع السياسي بالبلاد عامة والوطني خاصةً.الخبير الدستوري مولانا محمد احمد سالم اعتبر في حديث ل(الرأي العام) في وقت سابق أن أي حديث عن الانتخابات المبكرة يعبر عن رأي صاحبه ، ويرى أنه لا يمثل رأي المؤتمر الوطني ، بيد أن الرجل لم يخف أمله في أن يتبنى الوطني الفكرة، وقال ل (الرأي العام) نأمل أن يكون الامر كذلك ، فهذا يعني أن ثمة تحولا داخل الوطني لصالح مزيد من الديمقراطية ، ويبعد عنه تهمة الاستئثار بالحكم ، ويعكس مرونته.اقتراح الانتخابات المبكرة، لم يكن وليد الراهن بتشابكاته الاقتصادية السياسية، ولا من بنات افكار الاخوان، بل جاء من احزاب أخرى وفي شروط مغايرة، أبرزها اقتراحات الحزب الاتحادي ابان التشاور والتحاور حول المشاركة في الحكومة وقوبلت بالرفض من الوطني أيضاً وان كان وقتها رفضت رفض مجاملة ، و هذا ما أكده لى القيادي الاتحادي أبو الحسن فرح.المحلل السياسي د. مهدي دهب برر تمسك الوطني طيلة الفترة الماضية لأي مقترح حول انتخابات مبكرة، باقتناع الوطني بشرعيته الانتخابية ، وقال ل(الرأي العام) : ثمة من يرى أن اية موافقة على مثل هذا المقترح يقدح في تلك الشرعية، بينما اعتبر المحلل السياسي مصطفى عبد الله أن الوطني يستعصم برفض الانتخابات المبكرة ، خوفاً من ان يفقد ما تحصل عليه من مكاسب في الانتخابات الأخيرة ، وأضاف في حديثه ل(الرأي العام) إن الرئيس البشير هو الوحيد الذي يُعد خارج أحاديث النفي أو الموافقة، لجهة أنه يتمتع بالقبول الذي يتيح انتخابه مجدداً وهو أمر يعيه الشارع والبشير والحزب الحاكم ، اما البقية فالشك يساورهم في العودة ، لذا فإن النفي القاطع يأتي عن طريقهم ويتصدون للمقترح بشراسة.ناشطون معارضون يرون أن الامر برمته ليس مدعاة للتعليق ، ويرون أن الوطني أو الاخوان المسلمين يؤدون دوراً مرسوماً في محاولة لاستنطاق القوى السياسية حيال الفكرة وقراءة رد الفعل لديها، وأكد أحدهم أن أكثر الاحزاب حرصاً على انتخابات مبكرة هو الوطني نفسه، نسبة لفشل مشاريعه في توسيع عملية المشاركة الحكومية لسببين .. أولهما : زهد المعارضة الوطنية نفسها عن المشاركة بسبب التخوف من الصورة الجماهيرية أو نتيجة للظروف الاقتصادية القاهرة التي اجبرت الوطني على تبني سياسة التراجع عن مسعاه في اشراك القوى السياسية لضعف الامكانات والمخصصات، واسس لتقليل الدستوريين بالبلاد.. ويربطون بين المقترح والتوقيت ويصفون المقترح ورفضه ب(بالونة اختبار) ليس الا، فاذا كان رد الفعل ايجابياً يعني قدرة القوى السياسية على خوض التجربة وانتزاع مواقع الوطني فيبرز رفض الوطني ، أما اذا زهدت فيعمل الوطني على استغلال ذلك وابراز القوى السياسية كظاهرة صوتية بحسب تحليلهم..مولانا سالم اعتبر الحديث عن انتخابات مبكرة حديثاً سياسياً في قضية دستورية، وبرغم اتفاق دهب مع مولانا في أن القضية اساسها دستوري ، إلا أنه يرى أن قيام انتخابات مبكرة في السودان بغض النظر عن رغبة الوطني أو عدمها أمر يستحيل عملياً، لجهة ارتباطها بمعوقات دستورية، بالاضافة لما تحتاجه العملية نفسها من تكاليف باهظة ليست في مقدرة السودان حالياً.فيما يرى مصطفى عبد الله أن الامر يرتبط الى حد بعيد بامكانية السماح لتجربة ديمقراطية حقيقية أن تطبق في السودان، مشيراً الى أن أول المعوقات ستأتي من أطراف خارجية بالإضافة للحركات المسلحة ، وقال : (اذا عزم الوطني على انتخابات حقيقية بغض النظر عن نتائجها ، الا أن جوبا ليس من صالحها ذلك، خوف انتقال العدوى، بالاضافة الى أن الحركات ستفقد مبررات حملها للسلاح وبالتالي الدعم الذي يأتيها، ما يجعلها مكشوفة أمام الجماهير سياسياً خصوصاً وأن معظم حاملي السلاح مقاتلون وليسوا سياسيين ، ويدلل على ملاحظته الاخيرة بكثرة الخلافات بين مكونات الحركات ، ليقطع بقوله : (موافقة الوطني على المقترح بعد طول رفض ، يمكن أن يفسر ضعفاً، يزيد من جراءة المعارضة عليه ، والوطني ليس بسذاجة أهل طروادة)..