لا أدري من أين استمد وفدنا المفاوض كل هذه القدرة على التفاؤل بان الجولة التى قضت نحبها فى أديس أبابا أحدثت اختراقا ونجاحا يستحق أن يعلنه على الملأ؟!!. الوقائع تقول إن الحركة الشعبية أو دولة الجنوب نجحت حتى الآن فى إحكام تكتيك إضاعة الوقت،وإخراج الجميع من مولد المفاوضات بلا حمص. الراجح أن سفن المفاوضات تمضي الآن باتجاه رياح دولة الجنوب ،وهي تسعى بكل ما استطاعت لإنهاء المفاوضات بلا تقدم فى أي من الملفات العالقة،ومن المؤكد أن الفترة المتبقية من مهلة مجلس الأمن التى تنتهي فى الثاني من أغسطس القادم لن تكون كافية لحسم الجدل حول الخريطة والترتيبات الأمنية ناهيك عن بقية الملفات العالقة. دولة الجنوب ستكون حريصة على إنهاء التفاوض بلا نتائج ووضع الخرطوم فى مواجهة مع المجتمع الدولي مع نهاية مهلة مجلس الأمن التى انقضى منها الثلثان وتبقى الثلث الأخير . ماذا يعني ان ينصرف الوفدان و(32) يوما تفصلنا عن تهديدات مجلس الأمن؟، ولماذا يتم تعليق التفاوض علما بأن الفترة المتبقية لن تكفي حتى لتقريب وجهات النظر؟،ويبدو ان الحكومة زاهدة فى إحراج الوساطة الأفريقية ، كما أنها حريصة على الالتزام بالجدول الذي يحدده الوسطاء من باب الحفاظ على ماء وجهها الدبلوماسي، ولكن من الواضح أنها قنعت من (خيرا فى المفاوضات( .الحركة الشعبية تراهن على أن المجتمع الدولي سينحاز الى جانبها إذا ما طرحت خلافها مع الخرطوم أمام مؤسسات التحكيم الدولي، اعتمادا على انها مدللة للغاية وسط الأطراف الدولية وتوظيفا للعلاقات السيئة بين الخرطوم والدوائر الغربية المعروفة. على الحكومة ان تتبنى خطابا يجعل دولة الجنوب على قناعة بان الخرطوم لن تمضي الى أية محاكم دولية للفصل فى الخلاف حول الخريطة التي دفعت بها دولة الجنوب للمفاوضات وضمت فيها خمس مناطق جديدة (قطعتا من راسها)، وعلى الخرطوم ان تتمسك مهما كانت النتائج بالخريطة التى أنجز بموجبها الاستفتاء وصار بفضلها الجنوب دولة ذات سيادة. الدولة مطالبة بتبني استراتيجية للتعامل مع الواقع الذي سيترتب على المواجهة مع مجلس الأمن بعد الثاني من أغسطس المقبل، ويجب عدم التعويل على تفاؤل وفدنا المفاوض الذى لا أرى أي مبرر لإحساسه بأن الجولة القادمة ستشهد اختراقا فى مسار المفاوضات ولا أعرف سببا كذلك يجعله يصف الجولة المنصرمة بأنها كانت (إيجابية). الارتياح الذى بدا واضحا على أسارير باقان أموم يؤكد حقيقة ما كتبناه، فباقان حاله الآن مثل المدرب الذي يرى انه يتقدم على منافسه ، ويبني كل التكتيكات على إضاعة زمن المباراة، أيما إحساس يتنامى عند باقان بان الحكم ينظر فى ساعته الآن استعدادا لاطلاق صافرة النهاية، سيكون باعثا لسعادته بالتأكيد لأن الجنوب يراهن الآن على إنهاء هذه المهلة بنتائج صفرية تضع الخرطوم في مواجهة المجتمع الدولي، وتجعل من جوبا خصما للخرطوم أمام التحكيم الدولي المنحاز.