(ربما لم يعد في العمر بقية).. حكمة التاريخ غير القابلة للنفى في معرض رحلة الحياة عامة، وحياة عبد العزيز الحلو خاصة ، الذى سرى نبأ مرضه مؤخراً سرياناً يبعث على الارتياب، ليمضي النبأ بين شماتة وإشفاق.. تقارير إعلامية نقلت مؤخراً مرض الرجل ومغادرته السودان لتلقي العلاج من (التهاب الكبد الوبائى) ، وتقارير أخرى نقلت إصابته في إحدى المعارك بجروح تفاعلت مع مرضه ب(السكرى) وبين ثنايا التقارير لم يصدر نفي مباشر أو واضح من الحركة بقدر ما تم التركيز على نفي الجهة التي نقل إليها، وحملت مواقع للحركات على الشبكة العنكبوتية ، هجوماً لاذعاً على دعاوى مرض الحلو، بيد أن مصادر مقربة من الحلو نفسه قطعت ل(الرأى العام) أمس بإصابة الرجل بسرطان الكبد، نقل على إثره الى نيروبي ومن ثم الى جنوب أفريقيا ليحتجز بمستشفى جوهانسبيرج لمدة ست ساعات ، لينقل الى ألمانيا لتلقي العلاج، وبرفقته الرائد يونان موسى بالإضافة لرئيس اتحاد شباب السودان الجديد مبارك عبد الرحمن..وغض النظر عن مصداقية أنباء مرض الحلو أو استهدافه بالشائعات، إلا أن الثابت طبقاً لمفردات التاريخ أن الرجل أمضى ثلاثين عاماً من (النضال) كما يقول أبناء اليسار أو (التمرد) كما يقول أبناء اليمين وبين كلا الصفتين رسخ أقدامه كقائد في الصف الأول للحركة الشعبية قبل أن يصبح طريداً للجبال بعد أحداث انتخابات جنوب كردفان الأخيرة..الكثير من المحللين يرون أن للرجل بصمته في الحركة الشعبية منذ خلف قائد قطاعها في جبال النوبة يوسف كوة ، عندما كان السودان موحداً، قبل أن ينتقل للرفيق الأعلى أو الأمجاد السماوية، بسيناريو المرض الخبيث.. وهو ذات السيناريو الذى ربما يعيشه عبد العزيز آدم الحلو -إن صدقت الروايات- لتجعل سؤالاً مركزياً يفرض نفسه حول حالة الحركة الشعبية بعد الحلو..البداية لإجابة السؤال طبقاً للمراقبين، تتمثل في معرفة حالة الحركة في ظل قيادة الحلو، مؤكدين على رفض ربط قضايا الحركة وحمل السلاح في مواجهة الخرطوم، بالشخوص أو الحسابات الشخصية، مفضلين التعامل مع الأمر انطلاقاً من الوقائع والسياقات التاريخية لحمل السلاح في مواجهة السلطة المركزية، ويرى المحلل السياسى أبو القاسم حسين المقرب من دوائر قطاع الشمال أن الحركة في عهد الحلو خسرت كثيراً مقارنةً مع من سبقوه في قيادة المنطقة أو القطاع، وقال(طبقاً لمتابعاتى ونقاشاتى مع أبناء النوبة، فهناك قناعة بأن الحلو يفضل أن تكون القيادة لأبناء قبائل الجبال الشرقية ، ما خلق تهميشاً لأبناء الجبال الغربية، لذا تجد أن دورهم في الحرب ليس كبيراً رغم رفضهم للحكومة وخروجهم كقبائل)ويستشهد حسين على حديثه بوجود عدد كبير من أبناء المسيرية بقيادة (أبو السرة) رفضوا الانخراط في الصفوف تحت قيادة الحلو ، بالإضافة لوجود العديد من أبناء النوبة الرافضين منذ وقت مبكر لقيادة الحلو مفضلين جلاب باعتباره قائدا ميدانيا لا يشق له غبار بحسب وصفهم..حديث الرجل يوحي بثمة (كروكى) معد لانقسام داخلى في الحركة أو الجيش الشعبى هناك، يحتاج لمهندس تنفيذ، وهو الأمر الذى يقلل منه العديدون من أبناء النوبة في الخرطوم بأن الأمر ليس جديداً، وأن الوعى بقضايا النوبة خاصة والسودان عامة هو صمام الأمان من تأثير تلك الخطابات والممارسات على الإيمان بالقضايا، ويزعم بعض قادة الجيش الشعبي بجبال النوبة أن الجيش الشعبي رغم خطأ تقديرات الحلو إلا أنه يستطيع أن يقاتل ل(21) عاماً أخرى، (أولاً بسبب الوعي المتنامي بين أبناء النوبة في الجبال، وثانياً يرتبط بطبيعة الأرض التى وفرت المواقع الاستراتيجية الحصينة له، ما يجعل تأثيرات الخطاب السلبي معزولة عن الهزيمة العسكرية).وفى الوقت الذى يرى فيه أبو القاسم أن وفاة كوة لم تتبعها هزات كبيرة تؤثر على استتباب الأمور في يد الحلو بفضل الارتباط التنظيمي بالحركة شمالاً وجنوباً، كما أن وجود د.قرنق له تأثيره المباشر في توحيد جبهة الحركة الداخلية وحشد التأييد اللازم للحلو، إلا أنه يتوقع بروز تناقضات كبيرة إذا تكرر سيناريو يوسف كوة بسبب وجود الكثيرين خارج مظلة تأييد قرارات الحلو بالإضافة لغياب المركزية التنظيمية التي تسمح بحسم تلك التناقضات رغم توافر المؤسسات والهيكل التنظيمي، وأضاف(أخطر ما في الأمر هو غياب الرموز الأساسية والصف الأول لأبناء النوبة، فدانيال كودي متواجد في الخرطوم بحزب آخر ، وخميس جلاب خارج السودان، وتلفون معتقل في جوبا، ما يجعل الأمر ضبابيا الى حد كبير مالم يتم حسمه منذ الآن).فيما أكد مصدر مطلع ل (الرأى العام) أن قيادات أبناء النوبة سواء الحلو أو كودي أو جلاب أو كوكو ، كلها متفقة على أنها حملت السلاح من أجل قضايا معينة تتمثل في التنمية والاقتسام العادل للسلطة والثروة باعتبارها ثوابت لا اختلاف عليها أو حولها ، وقال(بالتالي فإن ذهاب الحلو وقدوم أيّ من هؤلاء القادة، لن يغير في الخط) وأضاف(الخيارات لما بعد الحلو غالباً تنحصر في جلاب أو كوكو اذا تم إطلاق سراحه، وكلاهما سيتبنيان الخط بناءً على تقديرات الموقف، ومدى امكانية حسم القضايا، لينحازا للسلام ، أو العكس).تتعدد الأسماء والقضية واحدة ، هكذا يبدو المشهد بين أبناء جبال النوبة في الحركة الشعبية، رغم تفضيلهم النظر للأمر بعيداً عن حسابات العرق والجهة لصالح المشروع السياسي وقضاياه التي يطالب بمعالجتها، ملخصين الاختلاف ان وجد بين قياداتهم في أن الحلو ابن المنطقة بالميلاد وليس الأصل ، في حين أن البقية هم أبناء المنطقة أصلاً وميلاداً، رافضين محاولات التركيز على الجانب الاثنى في قيادة مشروع سياسي، معتبرين ذلك محاولة من الوطني لزرع بذور الفرقة والشتات بين أبناء التنظيم الواحد مهما تناقضت تياراته، وبحسب أحدهم فإن الحلو ظل بطلاً من أبطال السلام ورمزاً للحكمة، مدللاً بعهد الشراكة مع مولانا هارون في ولاية جنوب كردفان، وأن خيار الحرب مفروض لا مفضل طالما هناك مظالم.الخرطوم ترى أن جبال النوبة كجزء من أزمة جنوب كردفان مصنوعة وأن الهدف هو سيناريو مصنوع لشد أطراف السودان الشمالي وفق مخططات جوبا في صراعها مع الخرطوم في المقابل اعتبر أبو القاسم حسين محاولة ربط الحرب بوجود الحلو، نظرة غير مبررة، فالحلو إن ذهب فهناك آخرون وقال( قرنق ذهب فهل ماتت الحركة الشعبية ، كذلك الحلو اذا ذهب فإن ذلك لن يؤثر إلا في أذهان المتوهمين والآملين في ذلك ، لكنه عملياً سيكون لصالح تماسك أكبر وعودة لرافضي الحلو للعودة للصفوف وبالتالي اتساع أكبر لرقعة الحرب).