الإنقاذ قطارٌ يسير منذ ثلاثة وعشرين عاماً بسرعاتٍ متقطّعة... يسير على القضبان وفى حالاتٍ غير قلية سارَ خارج القضبان ثُمّ أدرك القائمون على أمر القطار ذلك فأتوا بعمّال (الدريسة) لوضع القطار على القضبان من جديد! القطار منذ أنْ بدأ سيره لم يكن يعرف أين ستكون محطته النهائية، مثلما لا يعرف كل المحطات التى سيمر عليها... ما يعرفه القائمون على أمر القطار أنْ يظل القطار سائراً وأنْ يكون عدد الصاعدين إليه أكثر من النازلين منه! ربّما كان القطار يعرف منذ بداية السير أنّ أهم محطاته ستكون محطة الجنوب، فاختار الحرب لهذه المحطة مثلما اختارها الذين من قبله، حتى فرض عليهم السلام نفسه فاختاروه ومنحوا الجنوب ما هو أكثر من السلام، منحوه المشاركة الواسعة... ومع ذلك اختار الجنوبيّون الجنوب والهبوط من القطار، فلعبوا دور الجار الشَقى الذى بمقدوره تعطيل حركة القطار مِنْ خارجه! ترك الجنوبيون القطار ولم تهدأ محطات جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان... وإنْ كان القطار بخبرته الطويلة فى السير استطاع التعامل مع الشر ق ومع دارفور إلى حدٍ كبير، لكنْ استعصى عليه الجنوبان: جنوب النيل الأزرق وجنوب كردفان بعد ارتباطهما المُحْكَم بالجنوب الكبير! كان السؤال القديم كيف يسير قطار السودان مركزياً؟... لذلك اختار قطار الإنقاذ المسار الفيدرالى فانفتحت شهيّة الأمانى المحليّة وضَعُفَ الإنتماء للدولة واتسعت الطبقة السياسيّة وتعقّدت معادلة الحكم وفاحت منها رائحة الجهويّة والمناطقيّة... فصارَ الحكم الفيدرالى جزءً من المشكلة بعد أنْ أرادوه جزءًَ من الحل! قطار الانقاذ لم يكن دائماً سبباً فى توليد المشكلات، إذ لم تأت بعض تلك المشكلات من القطار بل أتت من المحطات التى سار إليها، لكنّ القطار أخفق فى الوصول لموسوعة المشكلات، ومع ذلك فبعض الحكماء لا يرون المشكلة من القطار فقد كانت دائماً من الركّاب! أسمعُ الآن تواتراً وتوتّراً فى نبرات صافرة القطار... فهل القطار يرى أخطاراً ماحقة أمامه إنْ لم تبتعد عنه سيُضطر لدهسها ولو خرج القطار عن القضبان، أو حتى ولو انقلب القطار!!