ليت الزمان يمنحني حق العودة إلى طابور الصباح المدرسي... إذا منحني الزمان هذا الحق لن أشعر بأنّني ارتددت صغيراً، بل ربّما أزداد نُضجاً بالوقوف بهذا الطابور! قبل سنوات رافقت الدكتور الكبير كمال أبو سن إلى مدينة المناقل وإلى مدرسته التي تناولَ فيها حصّته الابتدائيّة... كانت فقرة في برنامج الإحتفال به أنْ يقف الدكتور مع تلاميذ تلك المدرسة بالطابور الصباحي... وقف الدكتور أبو سن وعلى يمينه وشماله تلاميذ المدرسة وردّدوا جميعاً نحن جُند الله جُند الوطن... نظرت إلى مَنْ هم خارج الطابور فوجدتهم يُخرجون مناديلهم القُماشيّة أو الورقيّة ليمسحوا عن وجوههم سائل العين العظيم، شَعَرَ الدامعون أنّهم كبروا فجأةً عندما نالوا الحقوق المُجَاوِرة للطابور المدرسي! حينما التقي بأيّ طابورٍ مدرسي يقودني إلى اتجاهين متوازيين... يقودني الطابور إلى الوراء أيّام كنت جزءاً منه، ويقودني إلى الأمام، حيث مُستقبلٍ لن نكون جزءاً منه وحيث جيلٍ قسونا عليه فتركنا له إرثاً ثقيلاً وأملاً مُرْتَجفاً وخُططاً مُبعثرة ووطناً يستغيث بهم كما استغاث بنا أنْ يبقى واحداً فلم نستجب لاستغاثته! قبل عددٍ من الأعوام صادفت ذات صباح صوتاً جماعيّاً يردد (صه يا كنار)، فتابعت مصدر الصوت حتى اقتربت منه، فوجدت مصدر الصوت طابوراً مدرسياً، فاقتحمت سور المدرسة، حيث ينشد الطابور للوطن دون أنْ يأبه التلاميذ بأنّ هذا الوطن محاطٌ باتفاقات مثقوبة ومبعوثين دوليين ويونميد، فينشدون بحماسٍ لا يهدأ حتى برزت عُروقهم من تحت جلودهم... خرجت من المدرسة أكادُ أطير بجناحين وكأنّني هذا الكنار الذي ينشدون له! طابور الصباح هو بعضٌ من المعاقل الحصينة التي بقيت لنا ومنصّة التأسيس لوجدان الأجيال القادمة، هذا الطابور هو آخر ما بقي لنا من نظرية المصفوفات بعد صف الصلاة! اليوم يعاودُ طابور المدرسة الصباحي نشاطه بعد توقّفٍ امتدّ بطول عطلة صيفيّة مضافاً عليها علاوة زمنيّة مقدارها أسبوعان... ولو فاجأتْ وزارة التعليم العام مُعلّميها وتلاميذها وأولياء الأمور بطلب التقشّف في هذا العام الدراسي، سأنادي للاكتفاء بطابور الصباح، فمن يؤدّيه فقد أدّى الباقيات الصالحات!!