صباح كل يوم دراسي جديد، كنا نقف في طابور الصباح. كان من اهم الطقوس المدرسية التي اذكرها، انتظام طلبة كل صف وأمامه او بجانبه أستاذ او أستاذة الحصة الأولى. الصفوف منتظمة، النشاط والهمة في بداية اليوم الدراسي لا تزال بائنة، بضعة تثاؤبات هنا وهناك متناثرة. الإذاعة المدرسية، صوت جميل من القرآن الكريم يتلو آياتٍ، تُبارك اليوم الذي تتفتح بشائره. ثم أبيات شعر أو نغمات أو نكات، كل يوم يحمل نكهته المتميزة. لكن الشيء الجامع في كل هذه الأيام كان هو النشيد الوطني، فالمدرسة كلها تقف وتترنم: « نحن جند الله.. جند الوطن.. إن دعا الداعي.. الفداء لم نخن..» ونواصل، أن نتحدى الموت إذا ما جابهت البلاد المحن وان نعد بان نشتري المجد وباغلى الثمن. وحقيقة، لم أكن أفكر في امر النشيد الوطني كثيرا وأنا في مراحل الدراسة الإبتدائية او حتى المتوسطة، فكان يبدو لي انه واحدة من مقتضيات الصباح وروتينه التي نمارسها في كل يوم. حتى تغيرت الظروف المناخية السياسية بالبلاد التي اقتضت سفرنا إلى القاهرة. هنالك وفي أوائل الأيام الدراسية وجدتني أقف في طابور الصباح وأنا في آخر سنوات المرحلة المتوسطة، ارتدي (الإسكيرت) والبلوزة البنية، واستمع إلى الإذاعة المدرسية. ثم بدأت الطالبات تنشد:» بلادي بلادي بلادي.. لكي حبي وفؤادي.. مصر يا ام البلاد.. انتي غايتي والمراد..» ووجدتني أقع في حيرة. هل انشد مع الطالبات النشيد الوطني المصري؟ أم هل أقف صامتة؟ كلا الخيارين بدا لي في ذلك الوقت فيه خسارة فادحة، فإن إرتفع صوتي بالنشيد الوطني المصري فهل هذا يعني أنني تركت نشيدنا الوطني خلفي وأنني بت بذلك أدين بالولاء لدولة أخرى؟ وإن تركت بقية الطالبات ينشدن النشيد وبقية صامتة في نصفهن، فهل هذا يعني أنني لا أدين بالوفاء لبلاد احتضنتي؟ هل أكون ناكرة للجميل؟ وقررت في باطن نفسي أن اغني أن يا بلادي يا بلادي لكي حبي وفؤادي بنية الغناء للوطن الفسيح البعيد. وظلت عقدة النشيد الوطني بداخلي طوال أربع سنوات قضيتهن بالمدارس المصرية وحتى دلفت الى أسوار الجامعة، فتنافت الحاجة لذلك الصراع الداخلي. لكنني بقيت اسأل، هل يا ترى ننمي في أبنائنا الوطنية بغناء النشيد الوطني؟ هل هو مجرد كلمات نُحفظها لهم وألحان يترنمون بها؟ ام هو ليس مجرد نشيد وطني بل هو في حقيقته ولاء للبلاد وعهد نقطعه لها في صباح ان نحن نذود عنها ونحمي حماها ما إستطعنا؟ ترى، هل نحتاج إلى حصص في الوطنية تضاف إلى المنهج الدراسي، ننمي بها على إثرها إحساس أطفالنا بالبلاد؟ واستدركت لنفسي، هل الوطنية شعور يولد لدينا أم أنها تربية ننميها بداخلنا؟ ربما كانت أسئلتي حائرة لكنني بت أثق أن إحساس الوطنية يتنامى حينما نشعر أننا في موقع اختبار لها.. وما كانت أكثر الاختبارات التي أتمنى أن نجنبها الأجيال المقبلة، فذنبها على أعناقنا!!