أشفقت على الشعب السوداني كثيراً أمس الأول وأنا أرى الفريق طيار الفاتح عروة يعتلي كابينة القيادة في المؤتمر الصحفي ل (شركة زين)، وخفت أن ينفذ عروة طلعات جوية إضافية على جيوب المواطنين تضاعف همومهم وتستبد بمداخيلهم المهدودة جراء المعالجات الاقتصادية الأخيرة. لكن عروة فاجأني مثلما باغت كثيرين وهو يوقع على مسامع الحاضرين لحناً نشازاً يختلف عن المعزوفات السائدة في السوق هذه الأيام، فالرجل أكد على غيرما يقتضيه واقع الحال الاقتصادي طبعاً انحيازه للمواطن السوداني وطمأنه أولاً بأن لا زيادات، وأثلج صدره بتخفيضات، وهدأ روعه بإعلان بدء تطبيق الحساب بالثانية. تحدث الفريق عروة بشفافية نادرة في الوسط الاقتصادي واجاد (العزف بالأرقام) على مسامع أدمنت اللحن ب (التعميم) ودرجت على الإدارة ب (التعتيم)، فأثلج حديثه الجيوب بعد أن دخل (القلوب)، مخاطباً هاجسها المقيم ومهدئاً أرقها القديم بعد أن (طارت الأسعار السما)، وطالت الزيادات حتى (ربطة الجرجير). أعجبتني صراحة الفريق، وهو يضع الأرقام على التربيزة، ويدخل نشاط شركته بثقة في (آلة حاسبة) تقول للمواطن السوداني إنه وعلى الرغم من تدهور الدولار وكآبة الأقدار إلا أن (زين) تعلن انحيازها المطلق لهموم محمد أحمد ومعاناته، وترفض أن تردد مع كورال استنزاف المواطن نغمة زيادة الأسعار. أفاض عروة في شرح الزيادات التي طرأت على القيمة المضافة لقطاع الاتصالات منذ يوليو المنصرم أي قبل عام من الإجراءات الأخيرة، وحَدّثنا عن تأثر المكالمات بالزيادة و(بوّظ أعصاب الحاضرين) وهو يجأر بالشكوى من الزيادات الجديدة في ضريبة الأرباح وفي رسم الوارد والمحروقات ووووو، الرجل كان سيجد تعاطفاً من قبل الحاضرين على الأقل إذا اتخذ أي قرار بزيادة قيمة الاتصالات، لكنه فاجأنا بإعلانه أنه وعلى الرغم مما تقدّم فإنّ شركته لن تعلن عن زيادات، بل دَشّنَ خلال المؤتمر الصحفي تخفيضات في الأسعار، إلى جانب قرار تطبيق الحساب بالثانية. شكراً ل (زين) وهي تعزز مسؤولية أخلاقية (للبزنس) وتختار الاصطفاف إلى جانب المواطنين على حساب الربح السريع، وتفعل كل ذلك وهي تعايش - كما الوطن والمواطن - ظرفاً اقتصادياً حالكاً، والتحية لها وهي تدفع بمبادرة ستحرر لها بالطبع شهادة (حُسن سير وسلوك وضمير) في وجدان من أحبوها ومن سيلتحقون بعالمها الجميل، وهنيئاً لقيادتها وهي تدشن حملة (سمحة المهلة).. وأتمنى أن (تركز) الشركة -بفتح التاء- على هذا السماح الذي ستنتاشه متاعب الوضع الاقتصادي السائل، فالدولار مازال يمارس زئبقيته القاتلة، وأرقام موازنتنا ما فتئت تتلوى تحت قبضة الواقع الأليم، وتجعل من المفاجآت هاجساً دائماً لأصحاب (البزنس) والطموحات. إعلان الفاتح عروة بألا زيادات بل تخفيضات، أرشحه كأجمل نغمة تقدمها (زين) لمشتركيها، شخصياً (سأضغط النجمة وأشيل النغمة) إن تم وضعها ضمن الباقات المختارة، والسبب باختصار لأنّه إنحاز للمواطن في ظرفه الاقتصادي الضاغط، وقال سأخفض ولم يقل سأزيد. الباشمهندس إبراهيم محمد الحسن المدير التنفيذي ل (زين)، جلس إلى جوار الفاتح عروة وأفاض في توضيح الصورة، وهو رجل قريب للصحفيين بحكم تذوقه العالي للغة وديناميكيته المشهودة في فضاءات الوعي والثقافة، زميلنا الصحفي صالح محمد علي كان نحلة وسط الحضور وهو يستقبلهم ويودعهم باهتمام لافت، أما الإعلامية غادة عبد العزيز خالد فقد شكّلت إضافة واعية لهذا (العالم الجميل) بتواصلها الأنيق مع مكونات الوسط الإعلامي فاستحقت التحية. شكراً لهم جميعاً.. فقد تفانوا في رسم المشهد وإكمال الصورة التي يحتاجها السودان كثيراً.