استولى على اهتمام صحف الأمس تضارب قرارات الحكومة حول استيراد السيارات المستعملة، وبدا من التصريح المنقول عن عثمان عمر الشريف وزير التجارة حول السماح باستيراد السيارات المستعملة، وقرار رئيس الجمهورية بإلغاء قرار الشريف، وتصريح ثالث لمدير الجمارك يعلن فيه أن وزير التجارة ليس جهة الاختصاص لإصدار القرار، ورابع منشور في صحافة اليوم عن وزارة المالية تشير فيه الى أن المنع صادر من مجلس الوزراء، وبالتالي لا يحق لوزير نسخه بقرار أدنى.. بدا من كل هذا الغبار ان الحكومة ما زالت في سنوات الطلب الاولى حول كيفية إصدار قرار ما. القرائن تشير الى ان خطأً في النقل عن الوزير هو الذي تسبب في هذه الازمة الصغيرة الكبيرة بين وزارة التجارة ورئاسة الجمهورية ووزارة المالية والجمارك.. قرينة القانون الذي درسه عثمان عمر الشريف وتدرج بفضله حتى صار وزيراً للعدل قبل أكثر من عشرين عاماً، هذه القرينة وحدها تكفي لمنح الشريف براءة من الجهل بأن الوزير لا يستطيع أن يلغي قراراً صادراً من جهة أعلى هي مجلس الوزراء الموقر. ولكن براءة الشريف من التصريح بفك الحظر عن استيراد السيارات المستعملة، لم تعفيه من السقوط في فخ التكرار، كيف؟.. عندما تحدث الشريف عن السماح باستيراد العربات الصوالين المستعملة وفق الضوابط واللوائح، كان الرجل يشير الى قرار قديم كان قد استثنى فئات أربع من منع الاستيراد، وبالتالي كرّر الشريف ذات النص القديم بصيغة أوهمت الذين تابعوا المؤتمر الصحفي أن جديداً قد طرأ. إذن ما الداعي الذي حمل وزير التجارة الى تقديم الحساء القديم في إناء جديد بصورة (قوّمت نَفَس) رئاسة الجمهورية ووزارة المالية وإدارة الجمارك بل ووزارة التجارة نفسها، في مثل هذه الظروف التي تعيش فيها الحكومة أسوأ فترة من فترات صراع المؤسسات التي عرفها السودان في تاريخه القريب؟. المعركة برُمتها تبدو وكأنها انتهت وانجلى غبارها بتدخل رئاسي أعاد الأمر الى نصابه، وباستدراك من وزير التجارة نفسه بعث الطمأنينة إلى الكثيرين داخل الحكومة والمشفقين عليها، إلى أن الشريف لم يكن في حالة (معارضة) لحظة التصريح، (مثلما فعل في مقر الوطني ساعة التوقيع معه على اتفاق المشاركة). ولكن تبقى العبرة في أنَّ التصريحات ذات الطابع الاقتصادي بحاجة الى الحذر، لأنه قلّما يتم تفسيرها دون اللجوء إلى قاموس المصالح.