باستثناء مناسبات اجتماعية قليلة الحدوث ، منها زواج البعض، وموت آخرين يكن لهما الرجلان محبة وتقديرا ، لم يلتق الرئيس البشير بزعيم الشعبي د. الترابي الا لماماً ، لقاءات ربما فاترة أو ينقصها الدفء رغم ما تشتعل به دواخلهما ربما من حنق أو عداء أو ربما بعض الحنين لايام راهن كثيرون بعدم عودتها، لقاءات بلغت من ندرتها غياب أية صورة تجمع الرجلين في حالة مصافحة أو ابتسامات مجاملة كعهد السودانيين.. محاولات يبذلها اسلاميو الصف الثاني في فريقي الوطني والشعبي ، تهدف لإعادة لم شمل الاسلاميين، آخرها مبادرة لم الشمل التي يقودها عباس الخضر من الوطني ، قبل أن يخرج للوجود تجمع مجاهدي الحركة الاسلامية، كداعم جديد في محاولات اعادة توحيد الشعبي والوطني. كلا الطرفين صمت ازاء تلك المبادرات وما يخرج للاعلام لم يتجاوز منطق فلتقل خيراً أو لتصمت ، ليكون دوماً التعليق ب(خير)، ربما ما يمنح تلك المحاولات ضوءاً أخضر للمضي قدماً في اتجاهها المضروب مسبقاً، للدرجة التي بلغت سقفها في احتمالات لقاء بطلي الفريقين ورئيسي الحزبين .. حيرة المراقبين تجلت في تفسير توقيت الخطوة، بعيداً عن احتمالات اللقاء نفسها، أبرزها تلك التي تربط بين محاولات التوحيد هذه، بالمخاطر التي تواجه تجربة الاسلاميين في السودان ، ففوران الشارع السوداني وغليانه بسبب الاجراءات الاقتصادية، يبدو أنها كشفت الحاجة لاعادة تقييم المسار وتقويمه لصالح الحفاظ على الحكم.. ناشطون في الوطني يرون أن مياهاً كثيرة مرت تحت جسر الانقاذ منذ وصولها للحكم في 1989م، بلغت قمة فيضانها بالخروج المثير ذات رمضان تحت عنوان المفاصلة ، بعد رحلة احتقانات وخلافات داخلية كشف عنها القيادي بالشعبي والمقرب من الترابي د.المحبوب عبد السلام في كتابه (دائرة الضوء وخيوط الظلام)، ويؤكدون أن الانفتاح الذي أراده د. الترابي سابقاً تحقق الان، خصوصاً بعد الانتخابات التي حملت الرئيس البشير الى القصر رئيساً ومنحت الوطني أغلبية البرلمان ، رافضين أية محاولة للتشكيك في نتائج تلك الانتخابات ونزاهتها. في المقابل حرص المؤتمر الشعبي الذي يعد أبرز الاحزاب المعارضة واكثفها حراكاً في مواجهة الحكومة، حرص طيلة الفترة الماضية على تأكيد عدم حرصه على الالتقاء بالوطني أو التوحد من جديد، بل وترجم رفضه عملياً بتوجيهات حاسمة لمنسوبيه في نهر النيل بوأد أي لقاءات واجتماعات بمنسوبي الوطني بالولاية ، بالإضافة لإعلانه السعي لإسقاط النظام .. اذاً .. فالحزبان على طرفي نقيض ، وما يجمع بينهما رحلة من الذكريات التي شكلت مشروعهما قبل الوصول للحكم ، بالإضافة لدماء قتلاهم في سبيل تجربتهم كما يقول الاسلاميون ، ورصيد من الاحن بفعل المفاصلة وما ترتب عليها من اعتقالات طالت قيادات الطرف المعارض.. والمشهد هكذا يرى المحلل السياسي المقرب من دوائر الوطني مصطفى عبد الله أن لقاء البشير والترابي غير مرتبط بحال من الاحوال بخطى حزبيهما، بل يمكن لهما اللقاء في سياقات مغايرة مثل القضايا الوطنية الكبرى أو مصير الاسلاميين بشكل عام، كما يمكن للبشير الاستعانة بالترابي وتوظيف علاقاته بالكثير من دوائر الاسلاميين العالمية لجهة اعتبار الأخير رمزاً اسلامياً معروفاً وقال ل(الرأي العام): (للبشير الحق في لقاء من يريد من رعاياه بمن في ذلك رموز المعارضة)، معتبراً أن أي مساعي للقاء الرجلين من شأنه أن ينعكس في تهيئة الاجواء لوحدة اسلامية. مصدر اسلامي يعد من المعارضين المستقلين فضل حجب اسمه ل (الرأي العام) اعتبر أن أي حديث عن وحدة للاسلاميين في ظل وجود القيادات الحالية يعد ضرباً من الخيال ، وقال (التناقض بين الاسلاميين بلغ مداه، ومحاولات الجمع بينهما هي محاولات حالمة في ظل وجود الترابي والبشير، خصوصاً وأن محاولات سابقة ومن خارج السودان فشلت في احراز تقدم والجروح في بداياتها ، فكيف بعد رحلة الاحتقانات هذه يمكن أن يصبح الامر) بيد أن الرجل لم يستبعد أن يسهم تأثير التقاء مجاهدي الطرفين في تحقيق اختراق نفسي ووجداني بالتذكير بايام الانقاذ الاولى، ما يسمح بالتنازلات التدريجية في سبيل تقليل مساهمات الوطني مع المعارضة لإسقاط النظام ولكن ليس للوحدة الكلية.. في المقابل ذهب المحلل السياسي ايهاب محمد الحسن ، الى اعتبار محاولات جمع صف الاسلاميين نوعاً من المخادعة ، باعتبار أن الشعبي ليس حريصاً على اسقاط النظام وأن ما يتم مثير للشك من حيث التوقيت ، ففي اللحظة التي ترتب فيها المعارضة لاسقاط النظام يتجه الشعبي - اذا وافق - للجلوس مع الحزب الحاكم ، ما يقلل من قوة دفع المعارضة وحشدها أو تحييد الشعبي في الصراع وقال: (قواعد الشعبي لا تستطيع الخروج على شيخها، واذا كان قرار مؤسسات الحزب تغيير في الخط السياسي فسيتم تبني ذلك وان حدثت بعض الاعتراضات، لكن في النهاية لن يكون الا ما يريد الترابي)، وأضاف :( الوطني يدرك جيداً حجم تأثير الشعبي في العمل المعارض ووزنه في الشارع، لذا فهو حريص على خلق مسافة شاسعة بين الشعبي والمعارضة ، وأي لقاء بين الترابي والبشير سينعكس على القوى السياسية ، و اي تراخٍ غير مقصود من الشعبي في لجان تحالف المعارضة، سيفسر على أنه نتاج اللقاء). مراقبون رفضوا اعتبار مجهودات مجاهدي الاسلاميين ضرباً من التكتيك يوظفه الوطني لابعاد الشعبي عن خندق المعارضة، بل يرونها دعاوي أصيلة دافعها حرص شباب الحركة الاسلامية على انقاذ التجربة مما اصابها حتى ولو لم يكونوا جزءاً من الحكم، ويستشهدون بمحاولات سابقة جرت في ذات السياق ، لكن المؤكد طبقاً للمحلل السياسي مصطفى عبد الله أن نجاح اللقاء مرتبط بجملة خطوات. بغض النظر عن رغبة د. الترابي أو ارادة الرئيس البشير في اللقاء ، إلا أن الطرفين بحسب رأي المحللين يتمتعان بالذكاء في استنتاج مدى ما يشكله رفض اللقاء من خسارة لقواعد تعد أصيلة في صفوف حزبيهما كما أنها لا تبحث عن المصالح الذاتية فهم مجاهدون في عرف الطرفين، ويدركان مدى ما تشكله رمزية هؤلاء المجاهدين في ذهنية الاسلاميين، بالتالي فإن أي طرف لن يكون مباشراً في رفضه حال رفض، ويذهب الكثيرون الى اعتبار أن اللقاء اذا تحقق فإنه لن يذهب الى أكثر من تلبية دعوة المجاهدين ولن ينعكس على تغيير اي من خطى الحزبين السياسي .. مؤشرات أخرى تدعم لقاء الرجلين، فطبقاً لما تتناوله شوارع الخرطوم طيلة الفترة الماضية وأن لم يتح ل(الرأي العام) التأكد منها عن مشروع مبادرة تقدمت بها دولة شقيقة للسودان تهدف للجمع بين الاسلاميين في السودان، وتضع نصب أعينها أهمية عودة د. الترابي للتشكيل الحكومي ، وهو ما علق عليه أحد ناشطي اليسار باعادة انتاج الغطاء الفكري للاسلاميين في السودان، وفسره آخرون بأنه محاولة من الوطني للاستفادة من ذهنية د. الترابي في انتاج مخرج بعد(وحلته) الاخيرة .. فهل يلتقي الرجلان تحت فوهة بنادق المجاهدين؟!!