منذ قرارات الرابع من رمضان الشهيرة التي افضت الى مفاصلة الاسلاميين وافرزت حزبي المؤتمر الوطني والشعبي ظلت الآمال تشرئب لتعانق أشواق الكثيرين للم الشمل ووحدة الصف وجمع الاسلاميين ، وبرغم تشاؤم البعض الذي يرى ان وحدة الاسلاميين ضرباً من المستحيل إلا ان هذه الذكرى تأتي هذه المرة والمبادرات تسيطر على المنابر المحلية والإقليمية ، تقودها جماعات ترغب (بشدة) في وحدة الاسلاميين مرة أخرى ، د. نزار خالد محجوب الامين السياسي بالمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم والذي كان وراء الاعلان عن المبادرة الاقليمية العربية لوحدة الاسلاميين في السودان وضع النقاط فوق الحروف حول مصير هذه المبادرات ، وكشف بعض أسرار المفاصلة وأحجم عن اخرى من خلال هذا الحوار. **** الى أي مدى برأيك يمكن ان تنجح المبادرة الاقليمية العربية في رأب الصدع بين الاسلاميين ؟ وكيف تسير الآن؟ هذه المبادرة مهمة لكل الاطراف إذ ليس من مصلحتهم فشل تجربة الحكم الاسلامية بالمنطقة ، فالأفضل للإسلاميين ان يكونوا على درجة عالية من الوفاق والاتفاق ، وفي اعتقادي ان مصر هي الأحرص على وفاق الاسلاميين ووحدتهم لأنها هي الاخرى مجابهة بتحديات ربما تكون أضخم بكثير من تلك التي واجهها السودان فان لم تسرع لتحمي (ظهرها) جيدا وهي حديثة حكم (اسلامي) وموقع جيوسياسي أكثر حساسية من السودان فان مستقبل الحكم فيها ربما تواجهه تعقيدات أخطر لذا لا استبعد ان تلعب مصر دورا كبيرا في تليين مواقف الطرفين بالسودان خاصة انها تحمل قفة جزر بلا عصا. إذن التوقعات أن تؤتي المبادرة الاقليمية العربية أكلها قريبا؟ هذا يمكن اذا استطاعت مصر ان تحرك الدول الاخرى المشاركة في المبادرة يمكنها ان تلعب دورا أكبر في نجاح المبادرة ، خاصة اذا استطاعت ان تجعل الشعبي حزبا سلميا وان يترك أسلوب العنف في المعارضة وان يحتكم لصندوق الانتخابات ، ومن المتوقع ان يبدأ المؤتمر الوطني حوارا كثيفا مع القوى السياسية للوصول الى صيغة انتخابية مرضي عنها مسبقا ، فإن استطاعت المبادرة ان تقنع الشعبي ان يعارض سلميا وان يحتكم للانتخابات يمكن ان نتوقع ان تصل المبادرات الى نجاحات في اطار جمع الصف الاسلامي بالسودان . كيف تقرأ الوضع بعد مرور 13 عاما من المفاصلة؟ الارث الصوفي في السودان له عظيم الاثر في سلوك الجماعات وعلاقاتها البيئية ولم تتخلص القوى السياسية بما فيها الحركة الاسلامية من نهج (الحوار والشيخ) على الرغم من وجود خلافات كثيرة داخل اروقة القوى السياسية ، فالحركة الاسلامية تربت على مستوى افضل وقدر واسع من هامش الحرية والرأي والاستقلالية ولكنها لم تتخلص بشكل قاطع من نهج الشيخ والحوار ، وكانت الحركة الاسلامية تعمل بمبدأ الاستقلالية والحرية قبل ان تصل الى السلطة ، خاصة فى مرحلة النشوء والترقي التنظيمي و كان تعامل الترابي مع تلاميذه كمخترع الصون بون ولكن بعد استلام السلطة وتحديات الحكم والهاجس الامني وتحرشات المجتمع الدولي حدث تناقض بين مركزية القيادة و رجال الصف الثاني فاختلطت الرؤى في كيفية درء التدرج في القضايا العامة والحريات وشكل الحكم وهي قضايا لا تقبل في ذلك الوقت آراء وفاقية فحدث ما حدث و .. مقاطعة .. عفوا هل يمكن ان تحدثنا بتفصيل حول حيثيات المفاصلة؟ بدأت بوادر المفاصلة حينما انشقت الآراء داخل الحركة الاسلامية البعض كان يدعو الى ترسيخ الشورى داخل الحركة بحيث لا ينفرد شخص اياً كان بتسيير الامر والقضايا دون اخذ رأي الآخرين ، بينما يرى البعض ضرورة الانفتاح على الآخرين وبسط الحرية وتوسيع مواعين الشورى الداخلية مما أفرز شيئاً من التناقض .. مما ادى الى المفاصلة وانشقاق التيارين. لكن البعض ارجع المفاصلة الى ان بعض الجهات الخارجية مارست ضغوطا على الحكومة لإبعاد الترابي عن الحكم؟ هذا ليس صحيحا ولكن لا ننكر ان واقع التحديات الخارجية والنظرة السالبة تجاه الترابي من العالم الخارجي شجعت اكثر للمضي في اتجاه ابعاد (الشيخ) لان تكلفة وجوده كانت عالية داخل النظام وعندما يحدث ان يكلف شخص النظام كثيرا لابد من ابعاده فتحدث المفاصلات . هناك عبارة شهيرة للدكتور بهاء الدين حنفي وهو أحد الموقعين على مذكرة العشرة الشهيرة حول مآلات المذكرة ماذا وراء عبارته تلك ؟ بهاء قرأ تبعات المفاصلة بعد عشر سنوات من حدوثها حيث قال في حديثه الصحفي الشهير (ان واقع الحريات والشورى لم يتغيرا كثيرا ) بمعنى ان الاسباب التي من اجلها حدثت المفاصلة لم يتغير واقعها كثيرا وان كثيرا جدا من القيم التي كان يحلم بها بدولة تحكم بالشريعة ما زالت على المحك ، وكذلك بعض موقعي مذكرة العشرة التي افضت الى المفاصلة مثل الدكتور غازي صلاح الدين ود. سيد الخطيب ولو انهما كانا في حديثهما للصحافة اكثر صراحة لكان ردهما كالآتي :(ان المذكرة لم تؤتِ اكلها تماما) لأنهما لم يقبلا ابدا بمركزية قابضة للسلطة في اطارها الحزبي والحكومي ، وفي تقديري ان مستوى الاداء في الحزب والحكومة كان سببا من اسباب المذكرة . البعض يرى ان سلبيات المذكرة شكلت قاصمة ظهر للحركة الاسلامية؟ نعم ان سلبيات المذكرة كان في مجملها ان البعض تعامل معها بطريقة شخصية فالترابي اصبح غالبا ومسيطرا الانتقام على نهجه في تعاطيه مع اخوان الامس ولا اشك لحظة استغلال القنابل الموقوتة في تفجير قضية دارفور واستغلالها كروت ضغط ضد النظام (وأصبح حاله كالمرأة المطلقة التي دلقت الماء الساخن على وجه طليقها) انتقاما وثأرا لكرامتها ، لان فضل الترابي على تلاميذه كبير في نظره فما زالت تلك المرارات مترسبة بدواخله . اذن كيف يمكن ان تنجح مبادرات رأب الصدع بين الاسلاميين؟ هذه المبادرات حظها من النجاح ضعيف فبرغم ان مبادرة المجاهدين او ما عرفت بمبادرة السائحين تعتبر سابقة جيدة إلا انها تحتاج الى تدبر وتأمل فعلى صعيد الحكم لم تنتهِ المؤامرات بين الشعبي والوطني لان الشعبي ما زال اكثر شراسة في تدبير المكائد لإسقاط النظام ، بالطبع هذه الكوادر المجاهدة ترغب في جمع الصف بين الاسلاميين ولكن كيف يتم ذلك ؟ وهل هدف هؤلاء ان يحلقوا بالحركة الاسلامية نحو فضاءات مثالية ليتحقق أملهم في استمرار دولة تحكمها قيم الشريعة ؟ ام انها بكائية على نظام وُلدت من حوله أنظمة اسلامية توصمه بالفشل وتلومه على عدم تجاوز فتنة السلطة ؟ ام انها بحث لدور سياسي جديد؟ وهذا الاخير غير مرجح فبعض هذه الكوادر تركت مواقعها السياسية والتنفيذية طوعا .. ام انه احساس بأن قيم الدين والشريعة قد تم وأدها ولم يفلح الكيان الاسلامي المسمى بالحركة الاسلامية من الافلات من فتنة السلطة والصراع على كراسي السلطة فشعر المجاهدون ان مسئولية الحفاظ على الكيان هو آخر ما تبقى من معالجات لما اصاب الحركة الإسلامية ، ولا شك ان مبادرة الالف اخ هي في ذات الهدف نحو توسيع القاعدة التي ترى انها الاكثر وفاء وتجردا والأقدر على حماية الحركة الاسلامية . هل بالإمكان ان تستجيب قيادات الطرفين لهذه المبادرات ؟ في رأيي ان القيادتين لن تستجيبان لهذه المبادرة لأسباب عديدة اولها : يرى الطرفان ان الجهاد حالة ايمانية وليست وظيفة تلتبس الشخص طوال حياته وان المجاهدين كالصائمين والمصلين فالجهاد والصلاة عبادة ، وليس بالضرورة كل من جاهد من قبل لا يزال يحمل القيم الايمانية وليس بالضرورة ان من لم يجاهد بالأمس اقل ايمانا من المجاهدين السابقين ، ومن ناحية ثانية انه لا يرضى الطرفان بالوصاية من جسم يحمل ملمحا عسكريا ، ولن يرضى الطرفان ان تتكون اجسام خارج انظمة الشورى والنصيحة بالحزب وهذا ما حدث لمجموعة مذكرة الالف اخ حيث تم تحويلها الى مفاصل الحزب ولم يشأ التعامل معها خارج أروقة تنظيمات الشورى . إذن سيكون مصير هذه المبادرة الفشل؟ مصير هذه المبادرة يحتمل أربعة سيناريوهات الأول : ان الوطني والشعبي سيتمسكان بمؤسساتهما ولن يقبلا ان تفرض عليهما جهة ما وان كانوا جزءا منهم في السابق وصاية او مقترحا من خارج انظمة الحزب كما ذكرت سابقا ، والثاني : ان مجموعة تحاول ان تنفرد بنجاح المبادرة لصالحها وهي مجموعة المجاهدين .. والثالث : ان مجموعة اخرى تحاول ان تجير هذا المجهود لأحد الطرفين (الوطني ،الشعبي) والرابع : ان ينفض السامر ويعود كل الى قواعده وكأن شيئا لم يكن وتنتهي لقاءات جموع المجاهدين باجترار ذكريات زخات المطر وبارود السلاح في الجنوب ، والاحتمال الاخير هو ما سيحدث في تقديري. وهل في نظرك ان المبادرات الأخرى التي انطلقت من بعض الولايات ستجد ذات المصير؟ نعم .. طالما ان قضية دارفور ما زالت خيوطها بيد الترابي ومحاولات اشعال المظاهرات ضد النظام وتحريض الاعلام لدعم هذه التظاهرات يلعب الشعبي دورا محوريا فيها فالنقاش مع الطوائف الوسيطة ووجود الترابي على سدة قيادة الشعبي لن يجدي ، فالترابي سيظل حجر عثرة لعودة الاسلاميين لسابق عهدهم ،ولكن ان استطاعت المبادرات اقناع الشعبي بالقبول بنهج المعارضة السلمية بدلا من انتهاج الأسلوب العنيف لتغيير النظام فسيكون هذا نجاحا كبيرا ،لان كل طرف منهما يحاول ان يصطاد الكوادر الوسيطة ذات الاثر البالغ استيعابا واستقطابا حتى تؤثر وتخلخل التنظيم بالحزب الآخر لذا من الصعوبة ان تعود الحركة الاسلامية الى ما كانت عليه في عام 1989 ولو حاول الطرفان غسل كل الاحن ومرارات الماضي ، فالعودة صارت شبه مستحيلة في هذا الوقت بالذات. لماذا استحالة العودة في هذا التوقيت؟ لان الشعبي يرى ان في هذا التوقيت فرصة مناسبة ليطيح بالنظام في ظل التداعيات الاقتصادية وأزمات الحروب وضغوط المجتمع الدولي فهذه المعطيات تزيد تفاؤله بمقدرته الاطاحة بالنظام. لذا فان أحد القيادات بالشعبي صرح بان الوطني ألد اعدائه؟ نعم .. فتوجد مرارات واحن مترسبة وراسخة بالشعبي تجاه الوطني لأسباب مختلفة من الصعب غسلها خاصة فالترابي ما زالت تلك المرارات بداخله ولديه مواقف متشددة من قيادات بالوطني الذين يعتبرهم أبناءه وتلامذته لذا من الاوفق تليين هذه المواقف من القوى الاقليمية الصاعدة التي تعتبر اقرب للطرفين .