في الوقت الذي تركزت فيه الانظار على مفاوضي جنوب السودان والكاميرات تنقل صعودهم وهبوطهم الدائم والمستمر على درجات سلم مقر المفاوضات، كانت الجبهة الثورية تحرص على مقاسمة وفد الجنوب التركيز، فبدأت سلسلة من العمليات العسكرية بغرض العودة إلى دائرة الاضواء ، آخرها تلك التي تناولها والي شرق دارفور محمد فضل الله حامد وقال :(المناطق الطرفية لمحلية بحر العرب تشهد تحركات لمجموعات تنتمي لتحالف الجبهة الثورية المنطلقين من داخل دولة الجنوب، والأجهزة الأمنية تعمل على رصد هذه التحركات بصورة مستمرة)..بروز الجبهة ميدانياً وتحرشها بسياسيي الحزب الحاكم حد الاستفزاز لم يكن وليد بحر العرب ، فاستبقت الاخيرة باعلان سيطرتها على كركدة في شرق دارفور، وحقل نفطي في منطقتي التبلدي والتبون بجنوب كردفان، ما دفع الجيش لنفي ذلك معلناً إلحاقه الهزيمة بها وتكبيدها خسائر كبيرة، وقال الناطق باسم الجيش الصوارمي خالد سعد إن الجبهة خسرت معركتين دارتا مع الجيش بمنطقتي كركدة وأم شُويكة وإنّها هاجمت منطقة التُبون المجاورة في رد انتقامي.الواضح طبقاً للمراقبين تزايد وتيرة عمليات الجبهة الثورية ، الامر الذي تعتبره الخرطوم متسقاً مع مانفيستو الجبهة واهدافها العليا في اسقاط النظام، ويبدو أن ما يثير الدهشة هو توقيت العمليات في مرحلة تعلن فيها عقارب الساعة اقتراب تحقيق خطوة أولى ايجابية بين الخرطوموجوبا في أديس أبابا، ما أثار جنون الاستفهام عن الدوافع والغرض من تفعيل العمليات العسكرية في هذا التوقيت ضد الخرطوم، وهل تمتلك الجبهة الثورية القدرة في قلب المعادلة السياسية لصالح التفاوض معها عبر توظيف قطاع الشمال!!بين توصيف بالذكاء واتهام بالغباء جاءت تحليلات تقييم الخطوة، يرى الخبير فى حركات دارفور والناشط آدم عوض أن تصاعد وتزايد عمليات الجبهة الثورية يرتبط بشكل أو بآخر مع منحنى العلاقات السودانية/ الجنوبية، كما يأتي في سياق اعلان الجبهة لوجودها مهما كان الاتفاق الذي سيتم التوصل اليه بين الدولتين ، ولا يعني انتهاء الجبهة الثورية حالياً أو في أي وقت ، وأضاف :(خلال بقية المهلة التي وضعها مجلس الامن سيكون هناك سباق من كل طرف لاثبات قدرته في التعامل مع الواقع ، والجبهة الثورية تعمل على تصعيب الواقع على السودان وهو يواجه الجنوب).ثقل الجبهة الثورية في ميزان المعادلة السياسية بين جوباوالخرطوم،طبقاً للمحللين مستمد من وجود الحركة الشعبية ضمن مكوناتها بالاضافة للبعد الجغرافي الذي اتاح لعب دور مهم في تاريخ حرب العصابات التي أعلن رئيس الجبهة الثورية مالك العقار الموجود حالياً بأديس أبابا منذ وقت مبكر بأنه سيلجأ اليها بالإضافة الى الحرب التقليدية ، ما أسهم في انتقال خبرات الحركة الشعبية لبقية فصائل الجبهة بكشف ديناميكية حرب العصابات الحديثة واستراتيجيات الارض المحروقة، بالاضافة لمعرفتها مخارج ومداخل الشمال بحكم فترة الشراكة، ما ينعكس على تزايد خطورتها وأهميتها للحكومة كونها تضم كل حركات دارفور بالاضافة للحركة الشعبية قطاع الشمال..آخرون يرون أن القيمة الحقيقية للجبهة الثورية ستبرز حالياً خصوصاً بعد العمليات الاخيرة، المخاوف من تفاقم الأوضاع الإنسانية نتيجة للخط الذي تبنته الحركة الشعبية بدخولها في مواجهات مسلحة مع القوات النظامية أو الدخول في حرب عصابات، ما يصطدم بمجهودات الآلية الثلاثية لفتح ممرات انسانية وتقديم اغاثة في جنوب كردفان والنيل الازرق، ما يدفع الوساطة للضغط على الخرطوم في التفاوض مع الجبهة ككل وليس فصيل منها بما في ذلك العدل والمساواة، لصالح حسم الملف الانساني اولاً ومن ثم الترتيبات الامنية، بينما كشف الناشط الدارفوري ناصر بكداش عن أن تزايد وتيرة العمليات العسكرية في هذا التوقيت ، أمر مقصود بهدف ارسال رسالة للمجتمع الدولي والإقليمي والحكومة السودانية بأن الجبهة الثورية ليست قطاع الشمال فقط ، وأن الخط السياسي للجبهة لا يقتصر على خط القطاع، لذا ففي الوقت الذي يتجه رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال ورئيس الجبهة الثورية مالك عقار الى أديس أبابا بهدف التفاوض، تنطلق العمليات العسكرية دون اتساق مع الخطوات السياسية ما يثير ارتباك المؤتمر الوطني ..في المقابل يرى آدم علي شوقار رئيس حركة تحرير السودان -القيادة العامة- أن تزايد عمليات الجبهة الثورية في هذا التوقيت يجيئ بعد أن استشفت مدى الرغبة الأكيدة في تحقيق مخرجات طيبة من خلال المشهد التفاوضي بأديس ابابا ، بالتالي فإن التصعيد العسكري يأتي في سياق خلق واقع جديد، خصوصاً وان القضية الامنية أو الملف الامني هو الاساس بالنسبة للحكومة ويشكل أولوية ، ما يجعل الاطراف الاخرى تحاول وضع عراقيل لإضعاف الحكومة من خلال التصعيد الحربي ولصالح اجبار النظام على الجلوس معها ايضاً...لكن شوقار لم يستبعد ان يكون الهدف ابراء ذمة جوبا وابرازها كملتزم في الساحة الدولية وقال : (خروج حركات دارفور من الجنوب وتوجهها لدارفور وجنوب كردفان ومشاركتهم في العمليات الاخيرة ، يلعب دوراً كبيراً في المعادلة الجنوبية مع المجتمع الدولي ، وكأن جوبا تريد القول ?أنا رفعت يدي - لكن هذا لا يعني أن الجنوب تخلى تماماً عن دعم هذه الحركات) وكشف شوقار ل(الرأي العام)عن تزويد الجنوب الحركات بكل ما يمكن الاعتماد عليه لستة أشهر من وقود وذخيرة وعربات، ما يعني انه لن يتخلى عن الحركات. محللون يرون أن خيار التفاوض يعد مرفوضاً داخل الجبهة باعتباره خيارا تم تجريبه من قبل، وتسبب عدم التزام الحزب الحاكم أو عدم جديته في المواصلة، كما ان التفاوض كعملية سياسية يحتاج لخبرات تغيب عن الجبهة.الجبهة الثورية بحسب الخبير آدم عوض (بوش) تحمل على عاتقها عبء إسقاط نظام الخرطوم عبر منهجين، أولهما هي التعبئة المدنية والطريقة الأخرى هي طريق العمل المسلح وإصدارها لبيانات تدعم هذا الخط .. الحكومة كان لها تحليلها الخاص بأن الحركات المتمردة بعد تكوينها لجسم الجبهة الثورية بدت أكثر ضعفاً ووصفت تحالف الحركات المسلحة بدارفور مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بتحالف العاجزين ..عموماً الجبهة الثورية بروزها في هذا التوقيت أثار الارتباك ، ويرى الناشط الدارفوري ناصر امكانية دخول الجبهة الثورية للتفاوض مع المؤتمر الوطني طالما كان حمل السلاح وسيلة للوصل للحل السياسي ، في سياق حرص أممي على تحقيق استقرار سريع بين الشمال والجنوب لا يستثني أحداً ، وفي سياق بقاء النظام الحالي طالما يقدم فروض الولاء والطاعة.