الخرطوم تغرق في الاثارة بعدما ألغى حزبها الحاكم اتفاق 28 يونيو 2011م المعروف باتفاق نافع/عقار أعلن الجلوس تفاوضاً مع الحركة الشعبية والانتقال من الملف الانساني الى المسار السياسي .. اثارة الخرطوم واندهاشها ارجعه البعض لسرعة التراجع في كل شئ وبرره كثيرون بالضغوط والاستهداف وربما الحصار، فيما سخر منه آخرون معتبرين الخرطوم تتعامل بردود الافعال وتتعاطى مع المفاوضات بطريقة رزق اليوم باليوم.. الخرطوم أكدت قدرتها تفجير الذهول وعقد الالسن في كل خطواتها فمن اعلانها التفاوض مع قطاع الشمال الى مكونات فريقها المفاوض فجرت الكثير من علامات الاستفهام، وهي تمنح الضوء الاخضر للقيادي بالوطني ورئيس لجنة الامن والدفاع بالبرلمان د. كمال عبيد ، ليقود وفد التفاوض على المسار السياسي مع قطاع الشمال.الخرطوم بررت لخطوتها الايجابية تجاه قطاع الشمال على لسان العبيد مروح الناطق باسم الخارجية الذي اعتبر المفاوضات مع قطاع الشمال تأتي استكمالا لاتفاق السلام الشامل فيما يلي الملف الامني وذلك من خلال فك الارتباط للفرقتين التاسعة والعاشرة واجراء الترتيبات الامنية اللازمة من خلال سحب المدرعات والآليات الثقيلة من المنطقة والعمل على استيعاب الافراد وحصرهم ودمجهم إما في الجيش والاجهزة الامنية والشرطية او تسريحهم، وان قبول الحكومة بالتفاوض مع قطاع الشمال ، يأتي بعد فشل الحركة الشعبية في فرض ارادتها السياسية عبر العمل المسلح فيما رأت الحكومة انه ليس بالامكان فرض الارادة السياسية لقطاع الشمال، بالاضافة الى أن القطاع هو من سعى للحوار وان الحكومة لم تغلق ابدا الابواب وصولا للسلام والاستقرار، واضاف ل (الرأي العام) في وقت سابق (بعد الاتفاق على الملف الامني سينخرط الطرفان بالمفاوضات السياسية المتعلقة ايضا باتفاق سلام نيفاشا فيما يلي المشورة الشعبية).تبريرات مروح فسرها مراقبون بالحرص على تأكيد حسن النية في حسم كل ما هو عالق، وربما فك طلاسم مشهد المؤتمر الوطني المنتقل من قمة التعنت الى قمة المرونة بسرعة البرق. بينما يرى آخرون إن في ذلك إخفاء لجملة التنازلات التي قدمها الوطني بحثاً عن انتصار سياسي يخفف بها وطأة النفور الجماهيري بفعل سياساته الاقتصادية الاخيرة.ويدلل الناشط الحقوقي والقيادي بالمؤتمر السوداني قرشي عبد الحميد على تلك الفرضية، بالسرعة التي تجاوز بها المؤتمر الوطني الملف الامني للانتقال الى ملف النفط رغم حديثه طيلة الفترة الماضية بعدم فتح أي ملف من الملفات قبل حسم الملف الامني ..مفاوضات الوطني مع قطاع الشمال اعتبرها مقربون من الحزب الحاكم نقطة فاصلة في مسيرة الحزب ربما تؤثر على استقراره الداخلي ، بينما قلل قطاع عريض من شباب الحزب الحاكم من تأثير قرار الوطني بمفاوضة قطاع الشمال ويذهبون الى ان تماسك الحزب وانضباطه قبل ان يكون عبر النقاش والاقتناع داخل المؤسسات الا أنه أيضاً يرتبط بالعمل التنظيمي الذي يديره مساعد رئيس الجمهورية نائب رئيس الوطني للشئون الحزبية د. نافع علي نافع الذي قاد مثل تلك المبادرة في وقت من الاوقات ما يستبعد معه حدوث تأثير كبير، طالما تم منح الضوء الاخضر من خلال المكتب القيادي ..مؤيدون للخطوة يرون أن الوطني عاد لجادة الصواب، لكن في الزمن(بدل الضايع) ويذهبون الى أن الامر محاولة لحسم كل المشكلات والتوترات قبل مهلة مجلس الامن لتسهيل الحصول على تمديد، من خلال اعادة ترتيبات الاولويات بصورة صحيحة، ويذهبون الى ان أي اختراق في الملف الانساني يستلزم تحقيق الامن والاستقرار لضمان استمرار تدفق الاغاثات للمتضررين بفعل الصراع السياسي العسكري ، ما يجعل الملف الامني والسياسي سابقاً على الملف الانساني ، في تكتيك مشابه لذات تكتيك الخرطوم في مواجهة جوبا، بتغليبها أولوية الملف الامني على ما عداه من ملفات، ويستدعي أنصار هذا الرأي اتهامات قطاع الشمال خلال اليومين الماضيين للمؤتمر الوطني بالمماطلة والتسويف وشراء الوقت بشأن التفاوض حول الاوضاع الانسانية للمتضررين من الحرب.بينما يرى المحلل السياسي المقرب من دوائر المعارضة ايهاب محمد الحسن أن الامر لا يعدو ان يكون تكتيكاً سياسياً من الوطني ، بهدف تطبيق استراتيجية (فرق تسد) في مواجهة الجبهة الثورية من خلال جر قطاع الشمال للتفاوض كفصيل واحد من ضمن فصائل الجبهة الثورية، ما يؤثر على خطوط الجبهة وترتيباتها السياسية والعسكرية، بالاضافة الى ان اعلان تكوين وفد للتفاوض ينفصل عن وفد مفاوضات اديس مع الجنوب، ما يوحي باختلاف نوع القضيتين وطبيعتهما، ما يسهل على الوطني اللجوء لخطاب (الشأن الداخلي) والسيادة الوطنية ورفض التدخل فيهما، كما يتيح له تكريس ايحاء عام بحرصه على العملية السلمية والوصول لتسويات نهائية، قبل اجتماع مجلس الامن، بما يحقق له مكاسب سياسية في الحد الادنى تعفيه من اية عقوبات محتملة حال تم رفض التمديد بناء على شهادة الوساطة. وأضاف الحسن ، أن الوطني حريص على الايحاء بهذا الحرص على الوصول لإتفاق مع قطاع الشمال.قرشي عبد الحميد اتفق جزئياً مع الحسن ويدلل على عدم حرص الوطني بتسميته لكمال عبيد ، وقال :(الرجل يعد من المتطرفين داخل الوطني ، ولا تزال عباراته تجاه الجنوبيين في الخرطوم تستحضرها الذاكرة، بالاضافة لأنه غير معروف كمفاوض)..تسمية كمال عبيد رغم الحيرة والدهشة وربما علامات الاستفهام التي حاصرتها ، الا ثمة ما يدعو لدعم التحليلات القائلة بعدم حرص الوطني على توقيع اي اتفاق حقيقي مع القطاع ، من خلال مكونات الوفد، ونقل مصدر مطلع ل(الرأي العام) أن الوفد المغادر يضم الى جانب كمال عبيد كذلك محمد مركزو كوكو مسئول اللجنة السياسية بأبناء جبال النوبة بالوطني بالإضافة لأحمد كرمنو .. ما يعد طبقاً للمهتمين وفدا أقل قليلاً من المهمة التي ينوي إنجازها، فهو لا يضم سياسيين من الطراز المفاوض أو المعروفين بقدرتهم على اتخاذ القرار الحاسم والنهائي ، فيما يرى الحسن ان طابع الوفد أمني بحكم ترؤس كمال عبيد للجنة الدفاع والامن بالبرلمان حالياً بالاضافة للرئيس السابق لذات اللجنة ممثلاً في كوكو ما يجعل الطابع الامني هو الغالب على الوفد.بعيداً عن محاولات تفسير خطوات الوطني وتأويلها على مستوى قطاع الشمال، الا أن الوقائع على الارض تشير للانتقال من الملف الامني الى النفط مع جوبا ، ما يعني نجاح الخرطوم في تحقيق نجاح جزئي في تكتيكها الذي يجعل الامني مدخلاً لكل الملفات، لكن ثمة معوقات أخرى تحول دون مواصلة الخرطوم في تكتيكاتها ذات النفس الطويل ترتبط على ما يبدو بالمحيط الدولي المراقب للتطورات في الساحة السودانية، ونقل موظف كبير باحدى المنظمات الاممية بدارفور (الكادر) الاقليمي - بأن (المجتمع الدولي يشعر بالملل من الحالة السودانية، لأنها فاقت تسونامي) ، وهو يشيح بيديه دلالة على استيائه الشخصي قبل أن يكشف ل(الرأي العام) أمس عن قرب ايقاف الدعم المقدم لتلك المنظمات بسبب تأخر عمليات التنمية رغم الاستقرار الامني نسبياً بالاقليم المنكوب بسبب محاولات الشروع في العمل والبرامج التي يحبطها صوت السلاح الذي لا يخفت الا ليرتفع من جديد، وهو ما ينسحب على جنوب كردفان والنيل الازرق..الملل الدولي من الملف السوداني لا يبدو حصراً على دارفور ، ورمالها التي تبتلع الدعومات والتمويل العابر للحدود، بل يمتد ليشمل كل ما من شأنه أن يثير توترات بفعل حمل السلاح في مواجهة مشروع الدولة الاسلامية التي يصر الحزب الحاكم بالاتجاه نحوها دون قيد أو شرط.