ربما لا يعرف د. عبد الحي يوسف خطيب مسجد خاتم المرسلين بجبرة ود. كمال رزق خطيب المسجد الكبير فداحة ومشقة وكلفة الحرب، ولا يدركان أنها تهلك الحرث والنسل وتمزق أوصال البلاد وتزيد من عنت ومشقة العباد، الخطيبان الجليلان صوّبا من خلال منابر الجمعة انتقاداً حاداً لخيار الحكومة وهي تحسم أمرها وتمضي للتفاوض مع قطاع الشمال.الشيخان لم يقدما كالعادة أية خيارات بديلة للتفاوض، ولم يحررا أية روشتة تعالج التهاب الأوضاع السياسية والأمنية والإنسانية وتزيل الاحتقان القاتل في المنطقتين، غير أنهما برعا مثل ما يفعلان كل مرة في الهجوم فقط وإصدار الفتاوى التي لا يسندها منطق ولا يقبلها عقل مفطور على فكرة (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها).واحدة من أكبر أخطاء الدولة أنها ظلت تمنح أذنها لبعض الخطباء، حيث أصبحت الكثير من القرارات تعلن قبل أن تطبخ في مجلس الوزراء، آراء طابعها انفعالي لا يعرف التسامح ولا الاعتدال ولا يتعاطى مع هموم المواطن.للأسف فإن كثيراً من القرارات الإستراتيجية تتشكل بعيداً عن وعي الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، في منابر تنصب من نفسها وصياً على نظام الحكم، وقد باتت بعض المساجد أكثر تأثيراً في القرار السياسي من قطاعات المؤتمر الوطني.الدولة مطالبة بضبط انفعالها حيال الخطب النارية التي تريد أن توجه السياسة العامة ب (الريموت كنترول)، وخيار التفاوض مع قطاع الشمال لا أعتقد أنه من القرارات التي تناقش على الهواء مباشرةً وبكل هذا التخوين والانفعال.لو كنت المسؤول لطالبت د. عبد الحي يوسف وكمال رزق وآخرين بالتوجه الى مناطق العمليات حتى يقفوا على المشقة والتعب والنصب الذي يلقاه المجاهدون من أبناء القوات المسلحة والدفاع الشعبي والقوات النظامية الأخرى في الحرب، وحتى يعلما كم هي عالية كلفة الحرب، ومن غير المنطق أن يظل بعض أئمة المساجد عند موقفهم من استمرار الحرب، في وقت تعاني فيه البلاد تزايد المهددات الأمنية وغلاء المعيشة وشبح التمزق والانقسام ومصائر الصوملة والأفغنة.ليس من حق أحد أن يمارس الوصاية على الدولة وهي تتخذ إجراءات إستراتيجية للتعامل مع التحديات الراهنة، ولا أرى ضرورة في أن تهاجم منابر الجمعة الحوار مع قطاع الشمال باعتبار أن القضية في حد ذاتها إستراتيجية ولا تقبل الآراء الانطباعية، كما أن هنالك جهات مسؤولة يتقاضى منتسبوها رواتب من الدولة مهمتها أن تشير على الحكومة بأن تفعل هذا ولا تفعل ذلك، ولا أعتقد أن ديننا الحنيف بهذه القسوة التي لا تراعي المصلحة العامة في توجهات الحكم.على الدولة أن تحرر قراراتها من سطوة التأثر بهياج المنابر، وعلى أئمتنا الدفع باتجاه ما يجمع أبناء السودان ويجدر بهم أن يكونوا وسطيين يبذلون الشورى الخالية من التسييس والهادفة للحفاظ على الوطن بعيداً عن الانفعالات والهتافات.