دائماً تمر المجتمعات التى عاشت نزاعات مُسلّحة بين جيش الدولة وتشكيلات مليشيّة بعد هبوط الحل السياسى عليها بمرحلة إنتقاليّة، فتعيش حالة من التوتر الأهلى المسلّح، تعيش هذه المجتمعات حالة إنتقاليّة من الشحن المُسلّح إلى التفريغ المُسلّح، فتمتلئ الساحة بالبؤر العصابيّة... لكنْ مهما طال الزمن تتلاشى هذه البؤر تلاشياً بقانون الطبيعة والسياسة دون تسوية أو تدخّل أو حتّى مؤتمر للصُلح! دارفور الاقليم فى شماله وجنوبه وغربه وشرقه ليس استثناءً من القاعدة أعلاه، فوثيقة الدوحة لن تأتى بالسلام النقى دون المرور على المحطة الإنتقاليّة، فالطريق إلى السلام الإجتماعى والتوازن السياسى والاستقرار الحياتى مفروشٌ بالأشواك، ألغامٌ وتشكيلات لصوصيّة تتغذّى على الجريمة الجنائيّة وإطلاق فتيل الذُعر فى الحياة المدنيّة! آخر الحوادث فى جنوب دارفور كانت ضحيتها مرتبات (اليونميد)... عمليّة سطو مسلّح فى نيالا وفى النهار الدارفورى، سرقة القوّات التى أتت خصيصاً لحفظ دارفور من السرقة... قوّات (اليونميد) بسجلها فى السودان تثبت كل حين أنّها مفعولاً بها وليست فاعلاً! لم تطأ أحذية قوات اليونميد أرض دارفور إلا بعد جَدَلٍ وطنى ودولى مشهودين حتى تبلور السؤال: هل ترتدى قوّات حفظ السلام اللباس الافريقى الأخضر أم اللباس الأُممى الأزرق حتى اتفق المتجادلون على صيغة الهجين... لكنْ طوال فترة وجود (اليونميد) فى دارفور لم يسمع عنها المراقبون كثيراً غير جنودها رهائن أو داخل التوابيت أو مرتباتهم منهوبة! الملاحظة الجاثمة الآن أنّ نيالا عاشت فترة زمنيّة كانت آمنة رغم التوتر الدارفورى هنا وهناك، لكنّها الآن على غير ذلك فى بورصة الأمن، وهى ملاحظة لا تُسعِدنا ولا تُسعِد واليها الذى كان جديداً قبل أشهر، لكنّه اليوم يسير فى طريق الإتهام بأنّ شهوره الأولى كانت هى أضعف الحلقات فى معادلة نيالا الأمنيّة! بعد سرقة مرتب (اليونميد) فى نهار نيالا لم يعد من حق بعثتها كتابة تقرير عن الأحوال الأمنيّة فى دارفور أو إنفراطها فى جنوبها، فلن يصدّق تقرير كهذا عاقل أو مجنون من بعثة أتت بسطوة دوليّة لحفظ السلام فلم تحفظ السلام ولم تحفظ مرتّباتها!!