قضية التعويضات التاريخية أول من اثارها الزنوج الامريكان ولكن فيما بعد إلتقطها اكاديميون افارقة بقيادة البروفسير علي المزروعي وقدموا ورقة اكاديمية حاولوا فيها حصر الاضرار التي حدثت لافريقيا من جراء احتكاكها باوروبا بدءاً من تجارة الرقيق مروراً بالحقبة الاستعمارية وانتهاء بفترة التبعية التي اعقبت الاستقلال وبالمقابل حاولوا حصر الفوائد التي تحصلت عليها أوروبا ومن خلفها أمريكا من جراء تلك العلاقة اللا متكافئة مع افريقيا، وعقد المزروعي وصحبه مؤتمرات دولية في هذا الشأن مع اكاديميين امريكان وأوروبيين ولكن القضية في النهاية اعتبرت ضرباً من ضروب الترف الاكاديمي ولكن الذي أطلق عليها رصاصة الرحمة هو علي المزروعي نفسه لانه طرح قضية اعادة الاستعمار لافريقيا وبهذا يكون قد أثبت فضلاً للاستعمار على افريقيا بدليل مطالبته بعودته بثياب جديدة وهذه قضية أخرى. الآن القائد الاممي أعاد لقضية التعويضات وهجها وبطريقته العملية المعروفة إذ استطاع أن ينتزع من إيطاليا أم ليبيا الاوروبية اعترافاً بالاضرار والجرائم التي ارتكبتها في ليبيا وجبر تلك الاضرار بتعويضات مليارية ذهب الناس مذاهب شتى في تفسير قدرة القذافي ورضوخ ايطاليا السريع لهذا الأمر، فمنهم من قال إنها فرقعة سياسية لان ايطاليا وقعت اتفاقية تجارية كبيرة مع ليبيا اي انها ستأخذ باليمين ما اعطته بالشمال.. وهناك من قال ان قبول التعويضات يعني أن ليبيا قد باعت تاريخها ولا يحق لها أن تفتخر بعمر المختار وغيره لانها أخذت تعويضاً عن دمائهم الطاهرة. مهما يكن من أمر فان القذافي قد نفخ الروح في قضية التعويضات وأخرجها من الرطوبة الاكاديمية إلى السخانة السياسية وبشيء من التسبيك سوف تتصاعد هذه المسألة وتصبح ظاهرة يناقشها الجميع، فعلى بريطانيا وفرنسا أن تبلا رأسيهما لأنهما استعمرتا كل الدنيا وعلى امريكا الاستعداد لفترة ما بعد الاستعمار وستبدأ بالعراق طبعاً. أما بالنسبة لنا نحن هنا في السودان فالملف البريطاني واضح جداً سيبدأ من واقعة كرري لا بل من شيكان انتهاء بقطن الجزيرة وصمغ كردفان، طبعاً دية نبش قبر المهدي ودم الخليفة ستكون كبيرة جداً لانه كان رئيساً للسودان وهنا يجب أن نحذر آل المهدي وآل الخليفة بأنه لن ينوبهم ولا فرطاقة من هذه الاموال ولا سبيل الى اعادة مسلسل تعويضات آل المهدي الذي ظهر بعد فترة نميري لان التعويضات لكل الامة وإذا اصروا سنقول لهم الحساب ولد ونحاسبهم على ما أرتكبه الزعيمان في حق بعض أجدادنا. على العموم إذا انفتحت كوة التعويضات وأصبحت ثقافة راسخة ولها قواعد قانونية سوف تنفتح على الصعيد المحلي.. بعبارة اخرى كل الحكام الوطنيين سوف يحاسبون حساباً معنوياً كبيراً على التجاوزات التي تمت في عهودهم وإذا ثبت أن هناك رأسماليين اغتنوا من مال هذا الشعب بصورة غير قانونية (وبالمناسبة هم كثر) لابد أن يدفعوا ما عليهم وسوف يتنزل الامر على المستوىين الاجتماعي والاسري لان هناك بعض الافراد داخل الاسر قد ظلموا آخرين داخل ذات الأسرة وأصبح هذا المال المغصوب حلالاً بلالاً للاجيال اللاحقة فهذا يعني نبشاً للدفاتر القديمة وتحريكاً واستنطاقاً للمسكوت عنه وتقليباً للمواجع وبالتالي سوف يطالب البعض بالقاعدة السودانية التي تقول: «خلوها مستورة» ، لكن لا بأس من الإبحار في سيرة التعويضات هذه حتى يرعوى ناس فلان وفلان وعلان وفرتكان.