تتسم مواقف جنوب افريقيا من القضية الفلسطينية بالثبات والشجاعة في اتخاذ القرارات التي تتواءم مع دولة عاشت مرارات الفصل العنصري ولا تريد لتلك التجربة المريرة ان تتكرر في اي مكان في العالم وبالتالي ظلت العلاقات بين برتوريا وتل ابيب في حالة شد وجذب رغم اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين ولكنها عرضة لهزات عنيفة كلما اتخذت جنوب افريقيا قرارا ضد السياسات الاسرائيلية،واثارت جنوب افريقيا في الاسبوع الماضي غضب الكيان الاسرائيلي من خلال قرارها وضع علامات على المنتجات الاسرائيلية كونها تنتج في مستوطنات غير شرعية لتميزها عن البضائع الفلسطينية ، و استدعت وزارة الخارجية الإسرائيلية نهاية الاسبوع سفير جنوب إفريقيا لديها بسبب قرار حكومته وضع علامات على بضائع يتم إنتاجها في المستوطنات.وسبق ان استدعت الحكومة السفير لتوبيخه لاستهداف إسرائيل على أساس سياسي و عنصري معتبرة «أن هذه الخطوة تؤذي المنتجات الإسرائيلية بشكل عام» وسخر الكاتب الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي من اتهام بلاده لجنوب افريقيا بالعنصرية وقال «إن التصرف الإسرائيلي يشير إلى أن الوقاحة الإسرائيلية لا حدود لها» وقال في مقال بصحيفة هآرتس «إن جنوب افريقيا التي خاضت الحرب الأكثر جسارة ضد العنصرية في التاريخ البشري، ستعلم إسرائيل درسا في مناهضة العنصرية، ولكن إسرائيل ستعلم العالم درسا في العنصرية «. وأصدر وزير الصناعة والتجارة في حكومة جنوب إفريقيا روب ديفيدس بيانا أكد فيه أن بلاده تعترف بإسرائيل ضمن حدود 1948 وأن حدود 67 ليست إسرائيلية، و»أن تجار جنوب إفريقيا لا يستطيعون وضع علامات على منتجات المستوطنات في المناطق الفلسطينيةالمحتلة على أنها بضاعة إسرائيلية».ونشرت صحيفة هآرتس تقريرا حول تخطيط الدنمارك لمنع وضع علامة «صنع في إسرائيل» على منتجات الضفة على أعقاب إعلان جنوب افريقيا حظر علامة «صنع في إسرائيل» وصرح وزير الخارجية فيللي سوفاندل، لوسائل الاعلام الدنماركية بأن «هذه الخطوة تستهدف أن نظهر للمستهلك الدنماركي الظروف التي صنعت فيها هذه المنتجات وندعه يختار إذا كان يريد شراء هذه المنتجات أم لا».وكتب أحد الناشطين»لا ينبغي على المستهلكين في جنوب افريقيا أن يعتقدوا بأن هذه المنتجات منشأها إسرائيل وهي منشأها فلسطينالمحتلة «. وتحاول إسرائيل إلغاء قرار حظر علامة «صنع في إسرائيل»، وصرح مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية «أن الجماعات الموالية لإسرائيل تنظم في جنوب افريقيا حملات لإلغاء توجيه هذا القانون و الاعتراض عليه».وعلى الصعيد الخارجي، هددت الادارة الأمريكية في السابق بمقاطعة بلادها لمؤتمر الأممالمتحدة لمناهضة العنصرية الذي انعقد في جنوب افريقيا وطالبت بضمانات بألا يتعرض المؤتمر للصهيونية باعتبارها شكلا من أشكال العنصرية. واعتبر مسؤول سامٍ في الادارة الامريكية ان اعتبار الصهيونية حركة عنصرية هي «محاولة لعزل إسرائيل دولياً».ويرى محللون سياسيون ان قرار حكومة جنوب افريقيا بوضع علامات على بضائع يتم إنتاجها في المستوطنات تزيد من تضييق الخناق على الاقتصاد الاسرائيلي. وتتجه حكومة نتنياهو إلى أزمة اقتصادية خانقة في وقت تركز النخب الحاكمة على المخاطر الأمنية، واحتمالات تطور الأحداث في سورية، والتهديد النووي الإيراني، إضافة إلى الحراك السياسي الداخلي عقب انسحاب حزب كاديما من الائتلاف الحكومي. وصادقت الحكومة الإسرائيلية في 30 يوليو الماضي، على تقليص بنحو 5% لموازنات مختلف الوزارات باستثناء وزارة الدفاع، واستيعاب الهجرة اليهودية وكشفت تقارير عن زيادة الموارد المخصصة للاستيطان في الضفة الغربية.ولا يبدو أن قادة إسرائيل يهتمون بالقدر الكافي بتنامي ظاهرة إحراق مواطنين إسرائيليين أنفسهم، والتي كان من بينها موت عيكفا مافعي في 2 أغسطس بعد عشرة أيام من إضرامه النار بنفسه احتجاجا على أوضاعه الاقتصادية الصعبة. وفي تطور آخر في مسار التوتر الدبلوماسي بين البلدين دعت جنوب إفريقيا، مواطنيها بعدم زيارة اسرائيل مؤكدة رفضها الاعتراف بالسيادة الاسرائيلية على حدود العام 67.جاء ذلك على لسان نائب وزيرة العلاقات الدولية والتعاون، ومفوض العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم ، السيد إبراهيم إبراهيم، الذي اعلن عن عدم تشجيع مواطنيه، على زيارة إسرائيل، ما دامت قوة احتلال، وأن بريتوريا لن تعترف بسيادة إسرائيل على أي شبر من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م. وكانت حكومة جنوب إفريقيا، اعتمدت في اجتماعها الأسبوعي الأخير، القرار والذي اكدت فيه ضرورة إنفاذ وتطبيق القرار المتخذ في شهر مايو الماضي، من خلال تسجيل الصادرات الإسرائيلية إلى جنوب إفريقيا، حسب المنشأ، للتمييز بين ما يُصنع منها داخل إسرائيل، وما يُصنع داخل المستوطنات المقامة على أراضٍ فلسطينية محتلة عام 1967.