قد لا يختلف سكان (بحر أبيض) حول حقيقة وجود البعوض في كل المواسم ، وأن مدناً بعينها صارت مستعمرة له ، ولكن ما يثير الدهشة في هذا العام هو تفرد مدينة كوستى ب (بعوض) لم تشهده المدينة من حيث الحجم والكم ، فقد سخرت الطبيعة كل مقومات الحياة لتكاثره ، حيث اضحت ميادين المدينة مسرحاً خصباً للعرض المسائى لجيوش البعوض وهى تتأهب لغزو المنازل حتى قبل غروب شمس المدينة التى يصرخ سكانها من وخز لا يرحم وطنين يثقب الآذان .. المساحات الفارغة بين المنازل والشوارع تغطيها حشائش تحجب رؤية الجيران لبعضهم من شدة طولها ، وتكفى لاختفاء الوحش بين أحراشها .. هكذا وجد بعوض (كوستي) موطناً تحسده فيه كل (الحشرات) لذا أصبح حجمه مثل النبات المعدل وراثياً ، مما يجعل المرء في مغالطة ، بادئ الأمر ، ما اذا كانت صاحبة الطنين المزعج (بعوضة أم ذبابة) ؟ .. لكنها لا تترك مجالاً للتشكيك حول هويتها فسرعان ما تحسم ذلك بوخزه موجعة ، يلوذ منها المواطنون هرباً خلف (الناموسيات) المشبعة ، كسلاح يقيهم شر الحرب الضروس الذي فرضته ظروف الطبيعة القاسية لمدينة تحولت شوارعها إلى مجاري ومستنقعات تتفرد بقدرة خاصة في حفظ مياه الأمطار أطول فترة ممكنة ، حتى تحولت مدينة كوستى إلى مدينة عائمة كمدينة (البندقية) تماماً، تخفى وراء ثوبها الأخضر شر الموسم (بعوضة موديل 2012م) ، وئدت كل محاولات المواطنين اليائسة في محاربتها ، بمبيد وسائل مضاد ل (لسعات البعوض) يدلك به المرء نفسه ، حتى راج سوقها في الصيدليات ، هى وعقاقير الملاريا ، بعد أن تحركت اسهم المرض فيها بصورة مزعجة ، والشاهد على ذلك أسرة العنابر بالمستشفيات ، فقبل أن يغادرها مريض يأتى آخر ويقاسمه ذات السرير لكثرة المرضى ... بعد تلك الصورة المؤلمة لما وصل اليه حال مدينة كوستى في ضربها الرقم القياسي لتصدير البعوض لبقية مدن الولاية وقراها، ماذا تنتظر حكومة الولاية ؟ حتى تستطيع أن تنقذ ما يمكن انقاذه من برك متعفنة وشوارع يلعن فيها المواطن حظه كلما غاصت قدماه في الوحل .. وهل يعقل أن ترتفع بورصة البعوض والاصابة بمرض الملاريا بعد أن انخفضت معدلاتهما في الاعوام السابقة ؟ وهل انفاق الحكومة في شراء ادوية الملاريا ايسر من محاربة مصدر المرض ؟ أم اننا نسير وفق معادلات مغلوطة ؟