لم يعجبني بالأمس الباشمهندس الطيب مصطفى وهو يتشفى في سيرة نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر (البلدوزر)، الرجل عصى ربه وتطهر من ذنبه بعد أن تم جلده في القضية المعروفة، غير أن الباشمهندس جانب الهدي النبوي في التعامل مع القضية ونصب للرجل محكمة أخرى على صفحات (الانتباهة) بطريقة حملت قدراً من التشهير الذي يتنافى مع سُنة نبينا الكريم في التعامل مع المذنبين الذين يتطهرون حداً وتعزيراً.. كان الأحرى بالباشمهندس أن يمارس فضيلة الستر، وهو الذي يحيل الآخرين إلى مرجعية الدين وسماحة السيرة التي خلفها نبينا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فقد كان يعلي من قيمة الرفق بكل من غسل ذنبه بطهارة الأوبة ونال ما استحقه من عقاب. لا يمكنك أن تتنكر الى روح الإيمان التي تتحكم في انفعالات الطيب مصطفى وتوجه كتاباته وإن اختلفت معه في الرأي، لذا وجب علينا أن نذكره بشواهد من هدي الرسول الكريم وسماحة منهجه في التعامل مع المتطهرين. لا أعرف البلدوزر معرفة شخصية ولم ألتق به في حياتي إلا من خلال تصريحاته ومواقفه كسياسي، لكني أعلم أن للرجل أهلاً وأبناءً نحاكمهم كذلك بجريرته التي نال بها الحساب الأوفى، فما بالنا نمارس التشهير ونتسلى بأخطاء الرجل ونلوك سيرته بتلمظٍ، وننصب له المقاصل بدلاً من أن نفتح له طريق الأوبة إلى الله ونعينه على نفسه والشيطان وظروفه، وقد وجد ما استحق جَرّاء فعلته، وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون. ألم تقرأ يا باشمهندس كيف زجر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) اثنين من أصحابه أرادا أن ينالا من سيرة ماعز الأسلمي الذي جاء إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) وطلب أن يتطهر بعد أن واقع امرأة حتى غاب ذلك منه في ذلك منها، ما حدث أنه وبعد أن أمر الرسول برجمه سمع رجلين من أصحابه يقول أحدهما للآخر انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار فقال الرسول الكريم: أين فلان وفلان؟ فقالا: نحن ذان يا رسول الله قال: انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار، فقالا: يا نبي الله من يأكل من هذا؟ قال: فما نلتما من عرض أخيكما آنفاً أشد من أكل منه، والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها. إنه منهج الرسول في الستر والانحياز إلى فضيلة الرفق في حضرة العقاب والنأي عن التشفي، وانظر كذلك في الحديث الشريف للرجل الذي انتحر بعد أن استبدت به (حمى المدينة) وكان قد قدم إليها مهاجراً برفقة الطفيل بن عمرو، وحينما (حُمَّ) حُمَّى شَدِيدَةً أَخَذَ شَفْرَةً فَقَطَعَ بِهَا دَوَاحِلَهُ فَشَخَبَ - أي نزف - حَتَّى مَاتَ، فَدُفِنَ فَجَاءَ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ فِي اللَّيْلِ إِلَى الطُّفَيْلِ في شَارَةٍ حَسَنَةٍ، وَهُوَ مُخَمِّرٌ يَدَهُ، فَقَالَ لَهُ الطُّفَيْلُ: كَيْفَ فَعَلْتَ؟. قَالَ: صَنَعَ بِي رَبِّي خَيْرًا، غُفِرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ. قَالَ: فَمَا فَعَلَتْ يَدَاكَ؟. قَالَ: قَالَ رَبِّي: «لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ مِنْ نَفْسِكَ». فَقَصَّ الطُّفَيْلُ رُؤْيَاهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ، اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ، اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ». واذكر يا باشمهندس حديث عبد الله (حمار) الذي كان يضحك الرسول (صلى الله عليه وسلم) وتم جلده في أحد الأيام، فقال رجل من القوم اللهم العنه ما أكثر ما يؤتى به، فقال رسول الله: «لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله» . عزيزي الباشمهندس حري بك أن تتعامل مع فقه الستر الذي جعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول لهزال حينما حمل ماعزاً حملاً للاعتراف باتيانه الزنا، لو سترته بثوبك لكان خيراً لك، ونقول لك لو سترت (البلدوزر بمقالك لكان خير لك). اللهم أستر عوراتنا وآمن روعاتنا