حكايتي الليلة مرصعة بأنين ياسمينة التقيت بها في أحد ورش العمل التدريبية قبل شهر أو بعض شهر، حديثها هَادئٌ مُتزنٌ... شابة ريانة العود عندما تمشي تتلو قسمْ الكبرياء وتعويذة ملاك... متوغلة حد النحت في وريد الجمال والأنوثة... دمثة الخلق... كوكب بين الشمس والقمر... تسكن الروح وتلتصق بها، قربتْ أيام التدريب بيننا لاحظت في المبتدأ أنّ قلبها يريد البكاء ولا يجد دمعة يبكيها، بعد ذلك قادتنا أحاديث النسوة إلى أمسية الوجع والمُفاجآت وتمخضت ذاكرتها الحبلى بماضيها، عرفت أنها ياسمينة مطلقة في الأربعينات من العمر محرومة منذ عشرة أعوام من رؤية أطفالها الذين غدوا الآن شباباً، تزوجتْ وهي في عمر الخامسة عشر من شاب يتيم أسرته غنية حد الترف وحيد والدته وخالاته اللاتي تولين تربيته بدلالٍ مفرطٍ، وعندما أصبح في العشرين اشترين له منزلاً وضعن له رصيداً في البنك، وليكتمل الشكل الاجتماعي أكملوا له نصف دينه بزوجة طفلة عليها أن تحمل رسالة التدليل والمضي بها في طريق مراقب برادار أم وثلاث خالات ومع زوج ضعيف الشخصية تذروه الرياح كيفما شاءت، فقد تعوّد أن تكون طلباته مُجابة ورغباته مُحقّقَة والمدح والثناء له بفعل أو بدون فعل، يأخذ ولا يعطي سريع الغضب لا يتنازل أو يعتذر مُحاطٌ برعاية جنوده المجندة له. فماذا كان مآل حياته؟ زواج فاشل خرجت منه زوجة محطمة يلوكها الوجع قضمة... قضمة، وأبناء يربيهم أربع أمهات وبنفس الطريقة التي تربى بها. أن نحب أبناءنا وندللهم حق لهم علينا، ولكن الإفراط في الدلال والإسراف في الحب وتحقيق جميع رغباتهم والشفقة عليهم من العقاب مفسدة لهم، فالإبن المدلل ينمو معتقداً في نفسه الكمال في كل تصرفاته منزها عن الخطأ لأنه تعوّد على الإطراء والمدح، يثور ويغضب عندما ينتقد أحد سلوكه، غير قادر على كبح جماح نفسه، يخرج إلى المجتمع وقد اختلطت لديه المفاهيم وأصبحت الأمور عنده غير واضحة النجاح كالفشل والصدق كالكذب، شخصيته اعتمادية غير واعٍ لمتطلبات الحياة تنعدم ثقته بنفسه لا يسعى جاهداً لتحقيق شيء لأنه اعتاد أن يخدمه الآخرون. ويخفى على هذا الجيل من الآباء والأمهات النتائج السلبية للتدليل المفرط حتى وصل بهم الحال أن يتحكّم فيهم أبناؤهم في كل شؤونهم وأصبح الأبناء هم الذين يربون الآباء ويعاقبوهم إن لم يلبون رغباتهم، حتى بت أخشى أن يكون مثوى الأجيال القادمة (طه وأمهاته) وهو صاحب المثل السوداني الشهير الذي يقال عند فقد الشئ بلا رجعة لحق (أمات طه). ولكم رشفة من ترياق فجري.