{ ينزعج الآباء والأمهات من عادات كثيرة سالبة لأبنائهم، مثل مص الأصابع، أو الدخول في حالات من البكاء الهستيري غير المبرر، وضرب الرأس في جسم صلب، أو قضم الأظافر، أو «التمرُّغ» في الأرض، أو قذف الأشياء بحدّة، ويعتبرون هذه العادات العصبية الشائعة بين الأطفال خروجاً عن السلوك الاجتماعي الذي يسبب لهم في كثير من الأحيان الحرج، وغالباً ما يعمدون لتوبيخ الطفل أو تأنيبه على اعتبار أنه أظهرهم أمام الآخرين كفاشلين في شؤون التربية والأدب، دون أن يفكروا باهتمام في الأسباب التي تدفعه للإتيان بتلك الأمور وإحساسه الشخصي حينها. { ويؤكد اختصاصيو علم الأطفال، أنه «لا يوجد طفل عصبي، وإنما يوجد أهل عصبيون! ولا يوجد طفل عنيد ولكن توجد أم لا تجيد التعامل مع ابنها الصغير!». فالطفل الصغير عندما يُكثر من البكاء ويرفض تناول الطعام، عليكِ أن تفترضي أولاً أنه قد يُعاني من بعض المغص أو لا يحب هذا النوع من الطعام تحديداً وهذا من حقه. وإذا رفض أن ينصاع لأمرك ويرتدي ملابسه فربما يكون ذلك لأنه بلل حفاضه أو أن هذه الملابس ثقيلة أو تسبب له الحكّة ولكنه يعجز عن توضيح ذلك. كما أن مشكلة التسنين لدى الأطفال التي تبدأ بعد عدة شهور وتستمر لفترات متفاوتة خلال السنوات الثلاث الأولى تؤثر تأثيراً واضحاً على مزاجه وحالته النفسية، ولا نستطيع نحن إدراك أبعادها أو الشعور بما يحسه خلالها. إلى جانب أن الأطفال غالباً ما يستخدمون البكاء كوسيلة للتعبير اكسبناها إياهم منذ البداية بتجاوبنا السريع مع بكائهم مما ترك لديهم انطباعاً طفولياً بأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق رغباتهم والحصول على المزيد من الحب والاهتمام. { ويؤكد العلماء أن «الطفل أذكى مما تتصوّر أمه» وهو قد يكتسب بالملاحظة بعض التفاصيل التي تحوّله إلى طاغية صغير، يعرف تماماً كيف يتمكن من تحقيق رغباته ودفعك للاستجابة لها. كما أن بعض حالات عصبية الأطفال وردود أفعالهم الغاضبة تعود أحياناً إلى التدليل الزائد الذي يُكسب الطفل قناعة مُطلقة بالسيادة ويرفض بعدها تماماً أي شكل من أشكال انشغال أمه عن توجيه كافة رعايتها له فقط، فيبدأ في الاحتجاج على إنهماكها في أعمال المنزل أو المطبخ أو حتى القراءة أو الكتابة أو تصريف أي شأن من شؤون حياتها اليومية، ويمارس احتجاجه ذلك بكل الطرق التي قد تُثير حفيظة والدته وأعصابها فتبدأ بينهما حالة من الشد والجذب يمعن الطفل خلالها في فرض رأيه حتى تستسلم أمه في النهاية غالباً. { من ناحية أخرى، وبمجرد تجاوز طفلك لعمر الثالثة فإنه يبدأ في ملاحظة أساليب الحياة من حوله، فإذا كان المعتاد أن يحتدم النقاش بينك وبين والده ويصل حد الشجار فلا تتوقعي منه سوى أن يكون عصبياً من طراز فريد، ونحن لا ننفك نُنادي بالنأي بمشاكلنا وخلافاتنا عن أبنائنا، الذين إذا اعتنقوا هذه العصبية لا قدر الله فمن الأفضل ألا نتبع معهم أساليب الردع والعقاب الصارم لأجل تقويمهم، فهذا يفقده الشعور بالأمان ويزيد من عناده وانكفائه على نفسه، فتهتز ثقته ويعيش في حالة من الخوف الدائم مما قد تترتب عليه العديد من الإشكالات المستقبلية كإنخفاض معدلات تحصيله الدراسي وعدم قدرته على تحمُّل المسؤولية وانطوائه على ذاته، مع أنانيته المُفرطة وعجزه عن التواصل مع الآخرين بحب وتعاون. وأيضاً يجب ألا نترك له الحبل على الغارب ونجعله يُمعن في غيِّه مستجيبين لكافة طلباته راضخين لعصبيته، فهذا يجعله غير قادر على خلق علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين وغير قادر على مواجهة الحياة دون وجود آخر يُصرّف له شؤونه ويلبي رغباته دائماً، وهذا مما يزيد من ارتباكه وحيرته وعصبيته التي يبدو واضحاً أننا نكسبها له، فالطفل يولد على الفطرة والعصبية مرض متوارث والعياذ بالله. { تلويح: ونحن نربي أبناءنا، علينا أن نربي أنفسنا معهم.