رزيم الرعد وهزيمه سبقانا إلى هناك، الغيوم الداكنة كانت تطوق المكان، والمطر لم يكن رشاً ولا طشاً، كان يتقلب بين هذا وذاك يبدو نضحاً وبغشاً أحياناً ويتراجع ربما ليكون طلاً يلامس أرض (أم هبج) وهي تتزيّا بالخُضرة كعادتها لاستقبال الرئيس عمر البشير في كل عامٍ. البطانة صباح الخميس المنصرم كانت تستنسخ من طبيعتها حسناً إضافياً تتهيأ به لمصافحة أعين الزائرين المفتونين بخُضرتها وملاحتها ووسامتها البهية. مطر ذلك اليوم تسرب إلى (طائرتنا) وكان استعراضاً من الطبيعة للوحة الرباط السرمدي بين الأرض والسماء التي فيها (رزق الناس وما يوعدون) فالتواصل الهتون لم يكن طارئاً في رقعة من أرض الله اجتباها باحتضان الدِّيمة الهطالة، والودق المرابط في سهولها وبطاحها يؤمن للناس الرزق ويفتح عليهم بركات السماء والأرض. العباد شاكرة، والبهائم (سارحة) والحفائر حاصدة لعطاء المزنة الوفية، والأرض ترفل في دمقس من الخُضرة التي تسبح بحمد ربي، والخير (باسط) والرذاذ حبيبات من عرق (النعمة) بسطته الطبيعة على جبين الحشائش التي تقاوم صفاء (الهمبريب). و(الخبر الأكيد) في ولعنا بخريف أم هبج لم يصبح مثلما قال شاعرها (قالوا البطانة اترشت) لأنه وفي ذلك التوقيت كنا نستملح قول شاعرها: برقك قلع السارية أم سحاباً صاح ونعّالك سكت من الهواء اللحاح رعدك رز في المطرة التقيلة وقاح وبارك لاقى شمس الغيبة باكر زاح أو ذلك القائل: الضحوى الرزم جاب الدليج من غادي فايضاً غرق العقدة ومطيمر الهادي أسقى البحري من ليلو وبنات الوادي يمشي كسيدة لا عند العلو المسادي الرئيس ورهط من مرافقيه إلى مخيم البطانة هبطوا منطقة (الفرش) حيث كان الاستقبال كريماً، والغناء والنم يتدفق حبيباً إلى الأذن فيجري (مساجاً) للروح ويضعها على تخوم الراحة ومرافئ الاطمئنان، (عرب أم هبج) سخروا مخيم البطانة لتعظيم الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأخذوا (يتجادعون) كعادتهم في حبهم للنبي الكريم وامتعاضهم من الفيلم المسيئ. قبالة المعرض الذي يحدث عن احتفاء كبير بالثروة الحيوانية ويشير الى عودة العافية لهذا القطاع المهم بذل أهل أم هبج كثيراً من القصائد والأشعار في الترحيب بالرئيس عمر البشير، والإشادة باستمرار زياراته السنوية لمُخيّم البطانة، وبعد ذلك انتقل الوفد إلى محلية الصباغ حيث افتتح مباني جهاز الأمن بالمحلية، الزائر إلى المنطقة يلحظ أن التنمية مستمرة بشكلٍ متسارعٍ، قوافل التنقيب عن الذهب، تجوب البطانة جيئةً وذهاباً برامج تنمية الثروة الحيوانية آخذة في التطور، مشروعات الخدمات الأساسية نقلت البطانة الى ما تستحقه من مكانة بحكم تاريخها وتأثيرها وإسهامها المشهود. البرنامج اشتمل على سباق للهجن، جعلنا نتأمل وصف الإبل في تراث البطانة وأشعار ود أبو سن حيث تابعنا سليل ما حدثنا عنه في مشهد يحكي عن المكانة الاجتمصعية والاقتصادية التي تُحظى بها الإبل في المطنقة فتابعنا ما قال فيه أبو سن: حُر عنافي نسل أماتو قاطع الشك وجدو الاربد السابق خيول المك على الرمي الحجيل بعد النزيل ما فك بعيد يا اربد الشرق الموارك السك الرحلة شهدت بعد ذلك تسابق الشعراء في (نَم أهل البطانة) من كل لون بهيج، فاسترسل الشعراء في وصف الطبيعة والمحبوبة والإبل وفي الغناء للبشير ولأم هبج الأمر الذي جدد في خلايا الروح معاني الكرم والشهامة والفروسية والبطولة، كما أن مجلس الشعر انعقد مرة أخرى قبل مغادرة الرئيس حيث تألق فيه أحمد محمد حمد حسان أبو سن الشهير ب (ود الفكي) الدكتور العالم في الربط والمقاربة بين شعر البطانة والشعر العربي الفصيح إلى جانب البشري، وود أبو ناجمة وآخرون حشدوا المجلس بالملح والطرائف والقصائد الحسان. الرئيس جلس وتدارس هموم الوطن والمنطقة مع القيادات النوعية هناك، والدكتور نافع علي نافع شَكّلَ حضوراً مُميّزاً كعادته بحكم الانتماء للبطانة وأظهر معرفة كبيرة بأشعار البطانة ومفردات (النَم) المستخدمة في حواشي ومتون الشعر، كما أن المقام طاب جداً لعبد الرحمن الصادق المهدي وهو يجد ما يحبه من تراث ماثلاً أمامه في لوحة البطانة التي تشكل جانباً مهماً في حياة أبناء الصادق المهدي، الفريق أول بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية كان كعادته فاكهة الرحلة، إذ أطلق تصريحات لطيفة حينما طالب له الجميع بمترجم أثناء قراءة قصائد البطانة.. فيصل حسن إبراهيم وزير الثروة الحيوانية كان حاضراً ومحتفياً بالأرقام المبشرة هذا العام.. وكذلك العمدة سعد رئيس اتحاد الرعاة والفريق طه عثمان مدير مكتب الرئيس أظهر اهتماماً متعاظماً كعادته بالوفد المرافق وخاصة الإعلاميين فاستحق التقدير، واليا القضارف وكسلا الضو الماحي ومحمد يوسف آدم وأركان حربهما كانوا حاضرين في تفاصيل المشهد بفاعلية هيأت للمخيم أن يخرج بتميز لافت. متعة خاصة إلى جانب ما شهدته في البطانة وفّرتها لي مرافقة الأستاذ الجميل مصطفى أبو العزائم رئيس تحرير الزميلة «آخر لحظة»، وقد بدا (شيخ عرب) في البطانة بعد أن تحلل من (الفل ست) وهموم الخرطوم، والرجل كذلك يحتفظ بعلاقات مميزة في البطانة جعلت من مزاجه معتدلاً طيلة زمن الرحلة.