المشهد في الخرطوم يبدو ضبابياً ازاء تسريبات رفعت مستوى تمثيل الوفد السوداني في اجتماع مجلس الامن والسلم الأفريقي الذي سيلتئم الخميس القادم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدةبنيويورك من وزير الخارجية، لمستوى النائب الاول لرئيس الجمهورية حسب مصادر وصفتها صحيفة الصحافة بالموثوقة. وفيما أكدت جوبا رفعها التمثيل بحضور الرئيس سلفاكير لذلك الاجتماع الذي سيتناول موقف المفاوضات السوداني/ الجنوبي فقد أمسكت الخرطوم عن التعليق على الأمر ولم يصدر منها نفي أو تأكيد لتوجه طه إلى نيويورك التي ستشهد يوم الخميس المقبل تقديم تقريرين بالمجلس من قِبل بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، ورمضان العمامرة مفوض مجلس السلم والأمن الأفريقي. الوقائع تشير الى أن الاجتماع القادم لمجلس السلم والامن الأفريقي يحمل فى طياته تطورات كبيرة في منعطفات العملية التفاوضية بين السودان وجنوب السودان، خصوصاً مع انتهاء المهلة الممنوحة للعاصمتين للوصول الى تسوية سلمية نهائية، ما يجعل نيويورك مساحة خصبة للمعارك الدبلوماسية حامية الوطيس بين الخرطوموجوبا، في محاولة لإقناع الجميع بتقديمهما أحسن ما يكون.. تسريبات تناقلتها مجالس الخرطوم غير الرسمية، عن طلب سابق لجوبا للقاء بين الرئيس سلفاكير والرئيس أوباما، الا أن الاخير اعتذر بحجة الانشغال، ما دفع جوبا لرفع تمثيلها لانتزاع فرصة اللقاء في نيويورك خلال فعاليات الاممالمتحدة خصوصاً وأن اوباما سيلقي خطاب دولته امام الجمعية العامة.. و رغم عدم تأكيد الخرطوم لترفيع وفدها برئاسة النائب الاول، الا أن الاحتمال نفسه، وجد قبولاً لدى المراقبين، لجهة أن النائب الاول علي عثمان ارتبط حضوره في ملفات التفاوض بالنهايات السلمية المتجنبة لأي تكاليف دموية، بالاضافة لمعرفته باضابير نيفاشا وتفاصيلها، ويذهب السفير الرشيد ابو شامة الى ان لقاء سلفاكير وطه في نيويورك باعتبارهما من قادة تفاوض نيفاشا يمنح فرصة لتقريب وجهات النظر بين العاصمتين، بالاضافة لاستخدام النائب الاول لمعرفته التامة بنيفاشا بشرح مواقف الخرطوم وتبريرها ، ما يسمح بتعطيل اي مشاريع استهداف للخرطوم تبنى على مواقفها ، كما يقطع الطريق على توصيف مواقفها بالمتعنتة من خلال ابتعاثها قمة جهازها التنفيذي ، وأحد أضلاع مؤسسة الرئاسة السودانية.. مخاوف تلقي بظلالها على اجتماع الخميس بنيويورك، باعتبار أن ابتعاث الخرطوم لطه ? حال صدقت التسريبات- الى نيويورك في ظل احتمالات لقائه بسلفاكير، يعد اعترافاً استباقياً بأن قمة الرئيسين البشير / سلفاكير المنعقدة اليوم بالعاصمة الاثيوبية لن يكون بإمكانها تجاوز جميع الملفات الخلافية، خاصة تلك التي أعيت المفاوضين كأبيي والميل(14)، ما يعني أن الخرطوم ستتمسك بمواقفها وتجتمع بلا امل في تقديم اي تنازلات.. ويرى السفير الرشيد ابو شامة في حديثه ل(الرأي العام) أن لقاء سلفا بطه- في حال تم بالطبع- يجئ عقب القمة الرئاسية ، كتكتيك لإحتواء آثار فشل القمة المحتمل - بحسب تعبيره- ويمنح الرئيس البشير فرصة التمسك بالموقف التفاوضي المعلن للخرطوم، والاصرار على عدم التنازل حتى آخر لحظة، ويجعل جوبا متعطشة لأي حل وسط يمكن ان يطرح في نيويورك، ويُظهر الخرطوم بمظهر المرن في تقديم الحلول ويحرج جوبا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي والإدارة الامريكية.. الدفع برجالات الصف الاول في العاصمتين ، لاجتماع مجلس الامن الخميس القادم في حال صحت هذه الأخبار يفتح الباب أمام عدة إحتمالات. وفيما يرى كثيرون أن واشنطون تتأبط شراً بالخرطوم التي تدخل الاجتماع الأممي وظهرها مكشوف الا من بعض المكاسب الدبلوماسية التي حققتها في اعقاب احتلال هجليج ونجاحها باستقطاب التعاطف الدولي في اجتماع مجلس الامن بدايات الشهر الجاري. قبل أن تتهم الادارة الامريكيةالخرطوم بعدم الرغبة في التوصل لإتفاق حسبما رشح من مندوبة واشنطن في مجلس الأمن سوازن رايس في وقت سابق. وأضافت طبقاً لتقارير اعلامية ان هذا الرفض يعيق إنشاء منطقة حدودية منزوعة السلاح وآمنة وتشكيل آلية مشتركة لمراقبة الحدود وكذلك يزيد خطر استئناف نزاع مفتوح بين البلدين. لكن ما ذهبت إليه رايس كان محاولة امريكية لإجهاض حق الخرطوم في الدفاع عن مصالحها ، ومحاولة مكشوفة لإمالة كفة المفاوضات لصالح جوبا.. ويعضد ناشطون حقوقيون مخاوفهم من الاجتماع القادم حال لم تتوصل العاصمتان الى نتائج ايجابية ملموسة في القضايا الخلافية بمحاولات سابقة للادارة الامريكية في تأكيد تطبيقها لعقوبات على العاصمتين، ويستدعي بعضهم مسودة أمريكية لقرار في مجلس الأمن الدولي ابريل الماضي - ابان ترؤس امريكا للمجلس دورياً- تهدد السودان وجنوب السودان بعقوبات، إذا لم ينفذا مطالب الاتحاد الأفريقي بوقف سريع للاشتباكات الحدودية وحل نزاعاتهما ، داعيةً في الوقت ذاته إلى القيام بعمل عاجل حول ولاية جنوب كردفان. وتضمنت مسودة ذلك القرار تحذيرات للخرطوم وجوبا من أن مجلس الأمن مصمم على اتخاذ إجراءات إضافية مناسبة وفقا للمادة 41 من الميثاق في حال عدم تقيد أحد الطرفين أو كليهما ? بحسب تعبير المسودة- وعلقت مندوبة أمريكا ورئيسة المجلس آنذاك سوزان رايس بأن هدف المسودة توفير دعم سريع وقوي لقرارات الاتحاد الأفريقي بالشكل الذي طلبه الاتحاد.. الخرطوم سخرت حينها من المسودة وطالبت عبر مندوبها بالاممالمتحدة ومجلس الامن بان أي قرار للمجلس بشأن الصراع بين السودان وجنوب السودان يجب أن يوجه تهديداته إلى جنوب السودان.. فيما يذهب مراقبون الى أن المخاوف الحقيقية تتركز في النوايا الامريكية، واستبعدوا أن يكون حضور سلفا عاملاً حاسماً في توقيع اية عقوبات على الخرطوم، وقالوا: (العقوبات قرار يطبخ داخل الادارة الامريكية ، ولا نظن ان وجود سلفاكير يمكن ان يؤثر على صدور مثل هذا القرار لأنه قرار أكبر منه). طبقاً لمتابعات (الرأي العام) فقد نجحت الخرطوم في تجنب أي استهداف أمريكي موجه طوال الفترة الماضية عبر التركيز على استنفار أصدقائها اذا جاز التعبير تحديداً روسيا والصين ، ويرى المتخصص في العلاقات الدولية د. مهدي دهب أن ذلك دفع واشنطون لتوجيه خطاب أكثر حدة وصف بالتهديد للدولتين في فبراير وتكرر في يوليو الماضي . عموماً.. وجود طه بواشنطون خلال دورة الانعقاد الاممية إذا تم، يجعل الخرطوم في حالة توقع في كل المستويات، باعتبارات قدرته على الاقناع وتمتعه بالقبول الدولي ، كما أنها ليست المرة الاولى التي يذهب فيها لواشنطون بحضور سلفاكير، رغم أن آخر المرات كانت قبيل الانفصال عملياً .. فهل ينجح الرجلان في اغلاق الملف السوداني / الجنوبي بسلام ؟ أم أن في صمت الخرطوم كلاماً ؟!!