توّج السودانان الاتفاقات التي توصّلا إليها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أواخر الشهر الماضي، حول جملة قضايا لا تشمل بطبيعة الحال الحدود وأبيي، توّجاها بإقرار برلمانيهما اتفاقات الأمن والنفط، لتصبح في التطبيق على أرض الواقع أقرب، عبر إرادة سياسية لدى الرئيسين عمر البشير وسلفاكير ميارديت، في تجاوز المخاض العسير، والسير في اتجاه تجاوز العقبات التي طالما حرمت البلدين من الانطلاق إلى آفاق التنمية المنشودة. ولعل الناظر إلى الاتفاقات وإقرارها البرلماني، يدرك مدى أهميتها في المساعدة على بسط الأمن المفتقد في بعض المناطق، فضلاً عن استغلال خيرات الأرض الوفيرة، إذ تعلم جوبا علم اليقين، وهي دولة وليدة تحتاج كل جهد في بناء الدولة ومؤسساتها، أن لا سبيل لها لتصدير نفطها إلّا عبر خط أنابيب وموانئ الشمال، كما يدرك الشمال أيضاً أنّ التعاون مع الشطر الجنوبي أحد أهم السبل لإنعاش اقتصاده. لا سبيل أمام البلدين سوى التعاون والتكامل، هذا ما تقوله الوقائع والحكمة أيضاً، أمرٌ يستدعى من الطرفين إرادة سياسية أكبر من أجل نزع فتيل الاشتباكات الدامية في منطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، لما تمثلانه من تهديد أمني على حدود البلدين، فضلاً عن تأثير هذه المواجهات في مختلف الملفات. أثبت البلدان استطاعتهما المضي أكثر إلى الأمام، وإبداء مرونة أكبر في التفاوض، حتى يستطيعا تجاوز كل نقاط الخلاف، وبدء صفحة جديدة ملؤها التعاون والتكامل، إذ إن شعبي البلدين صبرا كثيراً على الحرب وويلاتها التي لا تحصى، عقوداً عدة، ويستحقان الآن أن ينعما بالاستقرار والتنمية والعيش الرغيد. قيل، ومنذ زمان، أنّ السودان سلة غذاء العالم، وهى مقولة لا تحمل من المبالغة والتهويل شيئاً، إذ وصفت، وعلى وجه الدقة، حال بلد تترامى أراضيه الخصبة ومياهه العذبة، ما يؤهله للعب الدور المفترض بكل اتقان، فضلاً عن باطن أرض يحمل من المعادن الكثير، يستطيع البلدان قطعاً الاستفادة منها، في ما إذا امتلكا بعض العزيمة للإجهاز على نقاط خلافهما المتبقية.