بالأمس انفردتْ صحيفة (الرأي العام) بالمرمى الصحفي فأحرزتْ خَبَرَاً ومبتدأً عن صحة السيّد رئيس الجمهوريّة... المبتدأ والخبر يقرران بلغة صحفية لا لبس فيها أنّ صحة الرئيس بخير وأنّها خارج المعادلة السياسيّة... وأنّ ما حدث هو جراحة صغيرة بحباله الصوتيّة نصحه أطباؤه بعدها اجتناب الخطابات الجماهيريّة لأيّام، ولا شكّ أنّ أطباءه بذلك نصحوه بكبير! التاريخ القريب والبعيد يشهدان بأنّ حكاماً كانوا يحملون في حقائبهم الرئاسيّة أدويتهم وإسبيراتهم الطبيّة ومع ذلك سجّلوا نقاطاً مهمّة في البورصة السياسيّة... الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مَرِضَ مَرَض الموت قبل سبعة أعوام، وحتى هذه اللحظة هو أقوى رجل في معادلة الجزائر السياسيّة! الرئيس اليوغسلافي التاريخي تيتو كان قويّاً في حياته وفي مماته، فلمّا دنا أجله استعرق احتضاره عامين كان يحكم فيها يوغسلافيا وهي مستقرّة، مات قبله اثنان من أطبائه المعالجين، فلمّا مات تيتو ماجت يوغسلافيا حتى صارت خمس دول على خريطة أوروبا! الجنرال فرانكو حاكم اسبانيا حَافظَ على وحدة اسبانيا بعيداً عن تمرّد الباسك، فلمّا مات أصبحت للباسك قضية وملف وحزب غير مُسَجّل... فرانكو حين رقد رقدة الموت كان بين الغيبوبة تارة والفواق تارة أخرى... الّتَفّتْ جموعٌ من الشعب الاسباني ذات صباح حول قصره يتصاوتون، وفي لحظة فواق سأل فرانكو أحد حرّاسه ما هذه الأصوات فقال له حارسه هذا هو الشعب الاسباني الذي يحبك جاء لوداعك، فسأله فرانكو: وهل الشعب الاسباني مسافر؟! بوريس يلتسين الرئيس الروسي قضى فترة رئاسته في المستشفى أكثر من الكرملين، ومع ذلك حقّقَ ما لم يستطعه الأوائل: اللعب على ثلاثة حبال، وكان آخر رؤساء البيروسترويكا المحترمين! لكنْ سيبقى سؤال، هل مرض أكبر رأس في نظام سياسي يعني مرض النظام كله... والرئيس البشير في حِلٍ عن الإجابة فهو بالنشرة الطبيّة لائق من حباله الصوتية حتّى حباله السياسيّة، لكنْ ما هو أهم من ذلك أنّه قرّرَ بأنّ فترته الرئاسيّة التي نعيشها هي آخر فتراته... لذلك لن نأبه بالذين يبرزون شهادته المَرَضيّة، ولا بالذين يبرزون شهادة لياقته الطبيّة!!