صباح أمس اهتز وجدان الخرطوم بسبب خبر كاذب بثه بعض الصبية العاملين عبر النت بوفاة الفنان الكبير عبد الكريم الكابلي والذي يتلقى نوعاً من العلاج الطبيعي بولاية فرجينيا بالولايات المتحدةالامريكية.. الخبر هز وجدان كل محبي الفنان الكبير عندما أخبرني الاستاذ راشد عبد الرحيم برسالة يتساءل فيها هل الكابلي مات.. الخبر وقع على قلبي كالصاعقة.. وفورا ادرت رقم هاتف الكابلي، ولاية فرجينيا فقد اعتدت ان اهاتفه بين فترة وأخرى وأتابع مراحل العلاج الطبيعي الذي تقرر له بعد إجراء عملية غضروف ناجحة بالخرطوم قبل فترة.. وجاءني صوته العذب ياحبيبي وراكب بي وهو اعتاد ان يردد هذه الجملة كلما نلتقي .. وفجأة قال لي: لقد أخبرني الأخ الحبيب عمر الجزلي قبل ثوان بخبر و فاتي وقال المرحوم الكابلي كيف الحال لم اندهش لهذه الشائعة فقد تكررت مع معظم المشاهير في العالم وبالله قول للذين اطلقوا هذه الشائعة انتو مستعجلين ليه لليوم ده، وما هو قادم أصلاً.. قلت له ان شاء الله بعد عمر طويل.. قال لي: مهما طال العمر لا بد ان يأتي هذا اليوم.. وأنا لا أخاف الموت لأنني رجل مؤمن ومقتنع اننا جميعاً ميتون.. ثم عزيته في صديقه الراحل الشاعر العظيم صديق مدثر.. وقال لقد بكيت عليه كثيراً وكتبت مرثية سأقرأها عليك ارجو الاهتمام بنشرها.. واضاف لقد رحل عدد من الاحباب منهم عبد المجيد حاج الأمين والحسين الحسن وآخرهم صديق مدثر.. هم السابقون ونحن اللاحقون.. ثم قال: لدي حفل مساء اليوم في قاعة كبري في فرجينيا.. قال لي ضاحكاً.. ياحبيبي ما تجي الليلة تحضر معاي الحفلة ده.. وجيب معاك عمر الجزلي وحسين خوجلي وعبد العزيز جمال الدين وكل الأحبة.. ثم بدأ يتحدث عن جمال فرجينيا.. وعن صعوبة الحركة منها.. وقال بقت لي فترة قصيرة وسوف أعود لأهلي وأحبابي في السودان وعاشقي فني.. والكابلي احد ابرز الفنانين السودانيين الذين اثروا الاغنية السودانية وتبحر في الفن الشعبي وقدم أبرز اغنيات هذا التراث.. وغنى لشعراء عرب ولشعراء سودانيين كثر باللغة الفصحى. والكابلي لن يتكرر بسهولة ولن يتكرر .. بسهولة كذلك.. والكابلي شتل أجمل الورود في حديقة الاغنية السودانية وقبل عامين ويزيد.. كنا في صحبة السيد رئيس الجمهورية إلى موريتانيا.. وكان الكابلي وفرقته الماسية وأقيم حفل في القصر الرئاسي.. وغنى فيه عدد من المغنين وجاء الكابلي .. وغنى لأبي فراس الحمداني قصيدته الشهيرة «آراك عصي الدمع».. وتجاوب معه أهل موريتانيا.. بلد المليون شاعر، والحقيقة ان كل مواطن موريتاني فيه بذرة شاعر.. وعبد الكريم الكابلي أدهشته العديد من الصور الشعرية في بعض قصائده.. وكان مجنونا بالشطرة التي احتوتها اغنية عبد العزيز جمال الدين «لو تصدق» والتي يقول فيها: نرسم الليل في البعاد جنة لقا كان يقول لي صاحبك ده مجنون أما الحديث عن عبد الكريم الكابلي الشاعر.. فهذا حديث يطول.. يكتب الشعر الغنائي كما هو معروف ويكتب الشعر السياسي الذي يعبر عن اشواق الناس دعوة لرئيس التحرير والجزلي ونخبة من الاحباب لحضور حفلته القادمة بأمريكا كان يجد من الفنانين محمد وردي وحسن عطية وأحمد المصطفي وإبراهيم عوض وزيدان وعثمان حسين ومن الشعراء الذين يعزهم معزة خاصة الشاعر الراحل عثمان خالد.. كان يحب منه الشاعر والإنسان وكان يحب جنونه الشعري.. كنا في منتصف السبعينيات وبعد فصلي من صحيفة «الأيام» نسهر عند الاحبة من الفنانين، عثمان حسين وزيدان ابراهيم وكابلي، وكان عثمان خالد يعشق غناء الكابلي عشقاً جنونياً ويحبه كفنان مشاعر.. وكثيراً ما نذهب إليه في منزله في الواحدة صباحاً.. وبمجرد ان يعرف ان عثمان خالد هو الذي طرق الباب يأتي ومعه العود.. ليغني ما يطلبه عثمان خالد.. ونسهر معه إلى وقت متأخر لا يكل ولا يمل.