انهت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون الاسبوع المنصرم جولة مغاربية زارت خلالها كلا من تونسوالجزائر والمغرب وكان العنوان الرئيس للجولة بحث الوضع المتوتر في مالي ومحاربة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب العربي والسواحل الافريقية وحسب مراصد صحفية متعددة كان الهدف الرئيس من الجولة إقناع الدول الثلاث، ومن بينها الجزائر على وجه التحديد، بأن تكون شريكاً رئيسياً في عمل عسكري تدعو له واشنطن وباريس ضد مقاتلي»تنظيم القاعدة» وحركة «أنصار الدين» والانفصاليين الطوارق في شمال مالي. تصريحات الوزيرة الامريكية عقب مباحثاتها مع نظيرها الجزائري والرئيس بوتفليقة الذي وصفته بصاحب الخبرة التي يمكنها ان تسهم فى حل الازمة بمالي ، تلك التصريحات المتفاءلة يرى موقع انباء موسكو انها لا تمثل الواقع حيث نقل الموقع الاخباري الروسي عن مصادر رسمية جزائرية عن وجود خلافات بين واشنطون وباريس من جهة والجزائر من الجهة الاخرى حيث طلب المسؤولون الجزائريون «التفريق بين الجماعات التي لها مطالب سياسية ويمكن محاورتها، مثل «حركة تحرير إقليم أزواد»، وحركة أنصار الدين وبين الجماعات التي لها مطالب إرهابية ولا ينفع معها سوى الحل العسكري، مثل جماعة التوحيد والجهاد التابعة ل»تنظيم القاعدة». كما طلب المسؤولون الجزائريون وضع تصور لمستقبل الإقليم وسكانه قبل الدخول في عمل عسكري. بينما تصنف واشنطن وباريس حركة «أنصار الدين» وجماعة «التوحيد والجهاد» في خانة التنظيمات الإرهابية، رغم التحالف المعلن بين «حركة تحرير إقليم أزواد» وحركة «أنصار الدين» لمواجهة نفوذ مقاتلي «تنظيم القاعدة» في شمال مالي، التي تشكل ما يقارب ثلثي مساحة البلاد. كما تتكتم واشنطن وباريس عن رؤيتهما لمستقبل جمهورية مالي وإقليمها الشمالي المتمرد. وإذا كانت الوزيرة كلينتون استطاعت بنتيجة زيارتها للجزائر إقناع الرئيس بوتفليقة بمشاركة خبراء عسكريين جزائريين في التخطيط لعمل عسكري في شمال مالي دون مشاركة الجيش الجزائري في مهام قتالية، وهو ما يمكن اعتباره نجاحاً لواشنطن وحليفتها باريس، إلا أنه نجاح جزئي، فموقف الحياد الإيجابي للجزائر من هذه المسألة سيحد من اندفاع دول «مجموعة التعاون الاقتصادي لدول غرب أفريقيا» (إيكواس) في المشاركة العسكرية ، دون شروط وضوابط ، بضغط أمريكي ? فرنسي ، لاسيما أن مجلس الأمن الدولي طلب منذ ستة أشهر تفاصيل حول التدخل العسكري المقترح، بما في ذلك الأهداف والقوات والقيادة والحاجات اللوجستية، لكنه لم يتلق أي رد، وعاد وأعطى في الثاني عشر من أكتوبر مهلة خمسة وأربعين يوماً لمجموعة (إيكواس) لوضع خطط عسكرية نهائية محددة، بالتنسيق مع «الاتحاد الأفريقي»، لإرسال قوات إلى مالي لمساعد حكومتها على مواجهة المتمردين في الشمال. وباتت بحسب ما يراه مراقبون تطورات الاحداث في مالي تتجه نحو حتمية التدخل العسكري من قبل دول غرب افريقيا بغطاء ودعم من واشنطون وباريس ولكن من الناحية العملية يشكك الخبراء العسكريون في جدوى وفاعلية تدخل عسكري أفريقي في شمال مالي، مهما كان عدد القوات وحجم ونوعية تسلحيها والدعم اللوجستي الأمريكي والفرنسي والدولي الذي سيقدم لها، فهي ستواجه مجموعات مسلحة مدربة جيداً على حرب العصابات، وتتمتع بحرية حركة في منطقة صحراوية شاسعة، وتعطيها معرفتها بالتضاريس أفضلية قتالية سترهق وتستنزف القوات النظامية المشاركة في التدخل العسكري، كما تستطيع أن تنقل المعركة إلى داخل دول جوار مالي. وتدرك واشنطن وباريس أن الجزائر تمثل العمود الفقري لأي تدخل عسكري أفريقي في شمال مالي، بالإضافة إلى صعوبة تدويل الأزمة عسكرياً وتشكيل قوة عسكرية دولية تؤدي المهمة، إذا فشلت جهود إقناع دول مجموعة (إيكواس) بأن تأخذها على عاتقها. مما يقوي الموقف الجزائري الذي يفضل حلاً سياسياً بالتفاوض بين حكومة مالي والمتمردين، لكن خبراء بالشأن الجزائري يؤكدون أن الجزائر تدرك من جانبها أن أقصى ما يمكن تحصيله، في ظل الإجماع على التدخل العسكري وانسداد أفق الحوار بين الحكومة المالية والمتمردين، لا يتعدى تحسين شروط مشاركتها. ولذلك فإن الموقف الجزائري المعبر عنه خلال زيارة الوزيرة كلينتون ليس نهائياً، وربما يتحول النجاح الجزئي الأمريكي في تغيير الموقف الجزائري إلى نجاح شبه كامل تقدم فيه واشنطن وباريس تنازلات، تعتبرها الجزائر مقاربة فيها الحد الأدنى المقبول من ضمانات مرحلة ما بعد التدخل العسكري، فالتفريق بين الجماعات في شمال مالي يكفي وحده لقلب مسار وأهداف التدخل من المنظور الأمريكي - الفرنسي.