«البطولة طريقة موت لا طريقة حياة».. غابرييل لاوب! تابعنا بكثير من الرضاء والتلمَذة الحوار الحي الذي أجراه الزميل الدكتور خالد التجاني مع رئيس الوزراء الماليزي الأسبق مهاتير محمد والذي نشر بعد زيارته للسودان - قبل أيام - بصحيفة «السوداني» الغراء.. أسئلة مواكبة وعميقة، وإجابات قوية ومسؤولة.. وليس أفضل من خاتمة الحوار التي تَضَمّنت رأي المُحاوَر في أسباب تخلف المسلمين وحديثه عن وجوب إعادة النظر في فهم تعاليم الإسلام وفق مقاصده الحقيقية، وليس وفق تصورات محدودة لبعض المفسرين.. فالإسلام لا يلقي بالاً إلى الشكلانية بقدر ما يحتفي بالجوهر..! وهي ذات الرؤية التي يُروِّج لها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي قال مخاطباً الدول العربسلامية إنّني مُسلم أي نعم لكنني رئيس دولة علمانية أدعو المسلمين العرب إلى مبادئ الدولة المدنية.. العلمانية الحديثة - بحسب كليهما - ليست معادلة رياضية بل مفهوم اجتماعي يعول في نهوضه على خصوصية كل شعب، ويحافظ على مسافة مقدرة متساوية مع جميع الأديان.. حيث يتم فصل سياسة الدولة عن معتقدات الحكام وليس فصل الدين عن الحياة، كما يردد معظم أئمتنا المتشددين..! الإعلام السوداني قدم للسيد مهاتير باحتفائيات حارة على غرار (صانع المعجزة الماليزية)، وهذا كَلامٌ صَحيحٌ لكنه غير دقيق، وهو - أي الإعلام - مَعذورٌ في ذلك، فالتاريخ السياسي للمجتمعات العرب سلامية يدور في مجمله حول نجومية الأفراد وكاريزما الشخصيات القيادية، في ظل غياب المؤسسات السياسية، وتاريخ الشعوب العربية مع مقاومة الاستعمار حافل بحكايات الأبطال المخلصين الذين قَادوا ثورات الإصلاح والتجديد السياسي لكنهم توقّفوا عند منعطف الاقتصاد لأنّه عمل إستراتيجي جماعي لا يحتمل بطولات مسرح الرجل الواحد، على العكس تماماً من حقيقة التجربة الماليزية التي لعب فيها مهاتير محمد دور حامل الشعلة - وليس مشعلها - والقائد الحريص على تسليمها - وهي - أكثر اشتعالاً..! فالرجل وإن كان زعيم أمة وواسطة عقد (انتقلت بلاده في عهده من دولة زراعية فقيرة إلى دولة صناعية يشار إليها بالبنان) إلا أنه ليس بطلاً مخلصاً أو صانع معجزات بالمعنى - العرب سلامية - المفهوم.. التطور الكبير حدث في عهده بفضل سياساته الحكيمة والذكية - أي نعم - إلاّ أنّ نجاحه لم يكن ليتحقق لولا وجود بيئة مهيأة، ولم يكن ليستمر لو لم ينهض على تأسيس ما يضمن بقاءه من بعد ذهاب مهاتير ومجئ غيره.. التجربة الماليزية أصبحت مثالاً يُحتذى بفضل التخطيط الاستراتيجي وثقافة تسلم شعلة الإصلاح وتسليمها بعدالة وشفافية ومسؤولية.. الأمر الذي نفتقده نحن تماماً (حيث يتحاشى قادتنا السياسيون وأبطالنا المخلصون الخطط الاقتصادية بعيدة المدى ويعشقون المشاريع التي يسهل افتتاحها على أيديهم)..!