قال الشاعر أحمد شوقى يمدح الرسول(ص): داويت متئدا وداووا طفرة وأخف من بعض الدواء الداء. وقال شاعر عربي أظنه – المتنبئ – ومن يجعل الضرغام بازا لصيده تصيده الضرغام فيما تصيدا. مغزى بيت شوقي واضح فهو قد انفعل بالقرارات العجلى للأنظمة العربية العسكرية والسلطوية وقراراتها العجلى فقال إنها أكثر كارثية على دولها ومجتمعاتها بسبب القفز على المراحل وعدم الدراية والدراسة الكافية أو الاستفادة من الرأي الآخر.. يقول المثل نصف رأيك عند أخيك، فالرسول الكريم كان أكثر شورى لأصحابه فى الحروب وغيرها من شئوون الدنيا. أما (ضرغام) الصيد أقصد به هنا الاستعانة بالانقلاب العسكري فى الصراع السياسي الذى يكون أكثر كارثية على من دبره إذ غالبا ما يرتد الصائد ( قائد الانقلاب) على المدبر كما حدث كثيرا فى عالمنا العربى... ماصلة كل ما ذكرنا آنفا بالنهضة والمعجزة الماليزية؟ أقول: لم يقفز قادتها ولا قواها السياسية على المراحل ولم يستخدموا الجيش فى صراعاتهم السياسية أو حل المشكلة العرقية فلقد نجحت العقلية السياسية الماليزية المدنية والعسكرية معا فى أكثر الأوقات حرجا وصراعا بين المكونات العرقية كعام 1969 أن تتجنب إقحام الجيش واستخدامه لحسم الخلافات العرقية والسياسية أو الدفع به لاستلام السلطة وفرض سياسات وقرارات بعقلية أمنية احترازية.. ودعونا نقرأ ما كتبه السيد مهاتير فى مؤلفه فى هذا الخصوص. يقول( إن قادة القوات المسلحة لعبوا دورا أساسيا ومحوريا فى مجلس العمليات القومي الذى تشكل للتعامل مع اضطرابات عام 1969 العرقية ولكنهم ترفعوا عن المطالبة برئاسته وأوكلوها الى شخصية مدنية.. لقد حافظ الجيش وقوات الشرطة على رباطة جأشهما ومهنيتهما ولم ينساقا الى المغامرة باستلام السلطة من المدنيين على الرغم من أن الطريق كان ممهدا أمامهما..).. وصدق السيد مهاتير فقد صبرت العقلية الماليزية الناضجة على بطء الديمقراطية واحتملوا أخطاءها كممارسة بشرية هى الأفضل من خطيئة الديكتاتورية الكبرى بالقفز على المراحل وكبت الرأي الآخر فالفشل التام..ومن ثم كسبت ماليزيا وحققت معجزتها لتعالج قضايا معقدة وعميقة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا ليس بالحسم العسكري أو بعقلية أمنية كانت ستؤدي الى مزيد من التعقيد.. فكما قال الشاعر ووضع الندى فى موضع السيف مضر كوضع السيف فى موضع الندى من جانب آخر لم ينساق السيد مهاتير ولا النخبة السياسية والصحفية والإعلامية وراء الشعارات الهتافية أو التعالي الاجتماعي والديني والثقافي لعرق على آخر بل قرروا أن إزالة الفوارق الاقتصادية والتوزيع العادل للثروة هو الحل الأنفع للحد من التوترات العرقية فكان ذلك أهم أداة للنهضة والمعجزة الماليزية إذ تحولت جل الموارد للتنمية البشرية وتنمية الموارد.. ثم نأتي لدور الإسلام فى ماليزيا على عهد مهاتير فى وقت اشتدت فيه حركة الإسلام السياسي والتطرف والهوس الديني سلفيا كان أم حديثا تحت مسميات شتى.. إن غالب المجتمع الماليزي مسلم متدين واستطاع مهاتير أن يحول الدين الى مشروع نهضوي ملم بحقائق العصر مع احترام وعلم بأصوله ولكنه أكثر معرفة بجوهر الدين ومقاصده الحقيقية كطاقة إيمانية واستنارة عقلية للتقدم والتطور والتفاعل الإيجابي مع الواقع الإنساني وليس مجرد كوابح قانونية لمن يعصي.. وكذلك ليس وسيلة للاستغلال والتحكم والاستبداد السياسي والاقتصادي، وليس كذلك تحكما اجتماعيا على البسطاء باسم القداسة حيث تذبح السياسة.. قرر أن ليس السيد هو فلان أو علان بل السيد فى المجتمعات الحديثة هو (سيدي روم CD ROM) أي القرص المدمج Compact Read Only Memory... لذلك حوّل ماليزيا الى مجتمع وحكومة (السايبرنتكس)..أي الدولة الألكترونية.. فدخلت القرن الحادي والعشرين بخطى ثابتة وواثقة.