في مطار دبي وشوارعها كانت أعين من يلتقونك من السودانيين مجروحة الأحداق ذابلة البريق.. يسألونك عن صحة الرئيس بقلق وإشفاق وتوتر.. ويعرجون بك حيث الخيبات الرياضية للهلال والمريخ.. يحاولون أن يلتمسوا منك أملاً في نجاة تفاهمات أديس بعد تردد الجنوب في حسم الملف الأمني . يستزيدون حزناً على حزن وهم يعلقون على قصف اليرموك بواسطة اسرائيل ويتساءلون عن مغزى تصريحات علي كرتي وزير الخارجية.. والمستقبل الذي ينتظر السودان في ظل كثير من الأوضاع السائلة.. الملاحظة الأولى تشير إلى أن ما يعلمه السودانيون عن بلادهم بالخارج هو ما توفره المواقع الإلكترونية.. لذا فإنّ الأخبار عن السودان فى الخارج تصنعها الآلة المعارضة بامتياز وتوجهها بعض المواقع الإلكترونية وفق ما تريد. لن تجد خبراً مفرحاً في الخارج عن السودان.. الشائعات هي التي تلون صورة بلادنا وتجعل أخبارها جحيماً على جحيم. صحيحٌ أن هناك ندرة في الأخبار السعيدة ولكن حتى الأخبار الحزينة يتم تلوينها بشكل أكثر إظلاماً فنكتشف أن صادر الأنباء عن سوداننا يشكل صورة ذهنية سيئة للغاية لا تحمل الحقيقة المجردة. ثبت تماماً عدم قدرة مؤسساتنا وأجهزتنا الإعلامية فى الترويج للأخبار السعيدة إن وجدت.. ومن الواضح أن صورة السودان في الخارج تحتاج إلى معالجات كبيرة لتصحيح الأوضاع الشائهة التي جعلت المغتربين تحديداً عُرضةً للأخبار المفبركة والشائعات. هذا هو دور الإعلام الحكومي والملحقيات الإعلامية في الخارج.. كما أن غياب التلفزيون القومي عن دوائر التأثير كان له أثر بالغ في الصور غير المبشرة التي يختزلها الخارج عنا. وحتى لا يتطاول أحدهم ويقول لي (هي وينها الأخبار السعيدة): تعلية خزان الروصيرص مثلاً حدث يعبر تحت أرجل إعلامنا الرسمي مثلما عبرت كرة دجوليبا لاعبي الهلال وتحولت إلى هدف ضد الوطن.. هذا الحدث مَرّ على التلفزيون ومؤسسات الدولة المعنية بالترويج للأحداث الكبيرة مرور الكرام ويصلح لأن يكون أنموذجاً على خيبتنا في تصدير الصورة الطيبة عن السودان.. لم تحدث تهيئة ولا يحزنون لا استقبال الافتتاح ولم يتم الترويج له وفق معلومات وبيانات تعين المتابع على فهم مستوى الإنجاز. ارتفاع السعة التخزينية للخزان من (1,6) مليار متر مكعب الى (7) مليارات متر مكعب، وما تبع ذلك من زيادة في الرقعة الزراعية بنسبة (100%) أمر يتقاصر أهمية أمام عصام الحضري والهلال والمريخ. سأعود تفصيلاً إلى تعلية خزان الروصيرص الذي حاولت أن أقنع به عدداً من السودانيين كانوا يبحثون عن الأخبار السعيدة لكنه ضاع تحت أقدام لاعبي الهلال والمريخ وبددته ذكريات القصف الإسرائيلي وشائعات المواقع الإلكترونية. لدينا أزمة كبيرة في الترويج للأخبار السعيدة على ندرتها.. كما أننا نملك القدرة على تسويق الأخبار السيئة بإضافة الكثير من (المحلبية) حتى تبدو أكثر سواداً.. الواقع يقول بأن هذا من تقصير الإعلام الرسمي بوزارته وملحقياته وتلفزيونه الذي يشكو عاملوه من الفقر وقلة الفئران.. ولكني أشفق كثيراً على الشعب السوداني وذائقته في الالتقاط تحتفي بالكوارث والأخبار الحزينة.. إذا أصبح لا مجال في عقيدته لأي خبر سعيد.. ترى من يتحمّل المسؤولية..؟!