«لا تتخل أبداً عن المبادرة» .. شارل ديجول! اللورد البريطاني ساندويتش - الذي عاش في القرن الثامن عشر - حقق لبلاده الكثير من الاكتشافات البحرية والنجاحات المهنية، لكنها لم تخلد ذكراه بقدر ما فعل اختراعه العفوي ل (الساندوتش) أشهر صيغ وجبات الطعام السريع رواجاً في العالم ..! في على ذمة التاريخ كان الخواجة ساندوتش مولعاً بلعب القمار حد الإدمان ، وعندما كان خادمه يخبره بجاهزية وجبة طعامه لم تكن نفسه تطاوعه على ترك المغامرة ولو لدقائق معدودات .. فكان يطلب من الخادم أن يأتيه بقطعة من اللحم محشوة بين قطعتين من الخبز يسهل التهامها في أثناء اللعب..! بطبيعة الحال لم يكن في نية الرجل - قط! - أن يهدى البشرية طريقة جديدة في تناول وجبة طعام بشكل يتناسب مع ضيق الوقت أو ضيق المقام .. لكنه فعل لدواعي شخصية .. ثم قلَّده الناس .. وهكذا دوماً يفعلون ..! ولو لم يكن التقليد من فطرة الإنسان لما انتقل الساندوتش من موائد النبلاء الإنجليز إلى سكان القرى في العالم الثالث، ولما ظلّ الوجبة الشعبية الأشهر منذ القرن الثامن عشر حتى يومنا هذا .. فالتقليد نزعة إنسانية وظاهرة عالمية .. لكنه ? عندنا- في السودان طبيعة شعبية ذات سيادة رسمية ..! تأمّل مثلاً في ذلك الهروع الجمعي الكبير نحو استثمار رؤوس الأموال الصغيرة في قوالب محدودة ومتشابهة .. فكل من يمتلك بعض المدخرات في السودان ثم يمنِّي النفس باستثمارها في مشروع صغير يدر عليه دخلاً ثابتاً يقوم بتقليد مشروع جاره أو صديقه بصرف النظر عن اختلاف ظروف نجاح ذلك المشروع..! أرجو أن تلاحظ معي أيضاً ذلك الخلل في توازن العلاقة بين طلب المواطن وعرض المستثمر المحلي في السودان .. الكافتريات والمقاهي أكثر من (الكلام الدقاق) .. وخيارات مطاعم الوجبات السريعة أكبر من شهية المواطن .. والركشات وعربات الأمجاد أغلى من ميزانية المشاوير .. بينما يتبرم ذات المستهلك - المحاصر بكم العروض الفائضة عن حاجته ? من عدم كفاية العرض لطلبه على جملة من السلع والخدمات الهامة/الضرورية ..! والنتيجة توسُّع رقعة الدين على حساب دائرة الربح .. مشكلة المحاكاة والتقليد في المشاريع الصغيرة - في السودان ? هي أنها دوماً إلى زوال، لأن التجارة الناجحة لعبة عرض ذكية على أوتار الطلب وليس المحاكاة ..! مواكبة السلعة الذكية يقاس بثبات معدل الطلب عليها، وتطور المجتمعات يقاس بانتشار السلع التي تلائم حاجات شعوبها قبل أمزجة أفرادها .. ذوق المستهلك السوداني في ارتقاء وانفتاح وتطور ملحوظ .. بقي أن يستيقظ حدس المواطن/المستثمر ..!