الذي يشتم روائح الفساد الكريهة في البلاد، ويستمع إلى مجالس المدينة، ونقاشات المواطنين الغاضبة، يجزم بأن الفساد بكل أشكاله وألوانه موجود في البلاد التي أنشأت اخيراً مفوضية للفساد لم تستطع كبح جماحه بعد وكأنها انشأت فقط لذر الرماد في العيون العسلية. لكن مولانا أحمد إبراهيم الطاهر رئيس البرلمان كشف بالأمس عن صنفين من أنواع الفساد المتعددة قال إنّهما غير موجودين بالبلاد، وأشار الطاهر عقب عودته من المؤتمر العالمي لمكافحة الفساد بالبرازيل إلى أن معظم القضايا التي أُثيرت في المؤتمر ليست موجودة بالسودان كغسيل الأموال والتحويلات السرية. بالطبع ليس من اللائق مغالطة رجل في قامة وصدقية رئيس البرلمان، لكن من غير المعقول كذلك تصديق أنّ بلادنا بكل هذا النقاء الذي تخلو معه أساليب فساد من قبيل (غسيل الأموال والتحويلات السرية)، وهو ما يعني أن نوعية الفساد الموجودة هى من الألاعيب الصغيرة والصنف الحميد، إن كان للفساد وجه حميد أصلاً. عدم وضع اليد على قضايا فساد مثل غسيل الأموال والتحويلات السرية لا ينفي بالضرورة وجودها، وعلى الجهات المختصة أن تكثف جهودها للقضاء على سوس الفساد الذي ينخر في جسد الوطن المنهك أصلاً. إذا سلمنا جدلاً بعدم وجود فساد مبتكر من صنف التحويلات السرية وغسيل الأموال فإن هناك أصنافاً أخرى من الفساد يمكن رؤيتها بالعين المجردة أو حتى شم رائحتها عندما تغمض عينك مثل الفساد الإداري والأخطر من ذلك الفساد السياسي وغير ذلك من أنواع الفساد الذي تحدث عنها بشفافية في وقت سابق د. الطيب أبو قناية رئيس آلية مكافحة الفساد في حوار أجريته معه، غير أنه سارع في اليوم التالي لإجراء الحوار وتعيينه، بالإتصال بي لإرجاء نشر إفاداته الساخنة تلك لحين الإتصال بي لتحديد موعد آخر. بالطبع لم يتصل د. أبو قناية الذي مازلت أحتفظ بنسخة من حديثه في (اللاب توب) الخاص بي، ولكن ليس هذا هو المهم، فالمهم هو ما الذي يفعله هذا الرجل، ولماذا لم يفض حراكه في مجال مكافحة الفساد إلى طحين بعد؟، ولما يسترخي لهذه الدرجة بينما في وقت تبدي فيه قيادة الدولة جدية كبيرة في محاربة الفساد الذي كان استشراؤه وراء الإطاحة بأنظمة منيعة في المنطقة؟، ما هي قضايا الفساد التي حسمت حتى الآن؟ وأي ملفات يمسكها أبو قناية. من الآخر، أصح يا د. الطيب أبو قناية، فقيادة الدولة قامت بما عليها، أو تكاد لمحاربة الفساد، ووضعت له من الآليات ما يكفي للمحاربة إذا كان القائمون عليها على مستوى الملفات المطروحة، ولكن اختفاءهم واختفاءك أنت تحديداً يجعل المفسدين يشعرون بأمان بأنهم سيكونون بمنجاة عن العقاب مهما أكلوا من أموال الشعب، وامتصوا من دمائه العزيزة.