حديث كثيف يدور حول الفساد في بلادنا، وبطبيعة الحال ان هذا الفساد ليس حكراً على السودان، بل يوجد في كل بلاد الدنيا خاصة البلاد العربية والاسلامية وهو امر مؤسف، «مع فارق المستوى المعيشي».. ففي المملكة العربية السعودية تنشط الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة» بدعم وتأييد مباشر من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبالتالي تتحرك في كل الاتجاهات بحرية واسعة.. وقد تمكنت حتى يومنا من كشف كثير من أوجه الفساد التي تتعلق بمشروعات تعليمية وصحية الخ منظومة الخدمات الاجتماعية، وهي تحظى بترحيب واستحسان الشارع السعودي. وفي بلادنا تم قبل عام تقريباً إنشاء «مفوضية مكافحة الفساد» برئاسة الطيب ابو قناية، الا ان هذه المفوضية تبدو «مشلولة الحركة» في ظل الاحاديث المتواصلة عن فساد يشيب له الولدان. وان كانت تتبع نوعاً من السرية كما فعلت حينما تحدثت عن انها وضعت ملفات فساد امام رئيس الجمهورية، فإنها بذلك «لا تشفي غليل المتظلمين».. ويمكن أن تكون إحالة ملفات الفساد صريحة وتعنون بأن هناك «شبهة» فساد في جهة ما.. وان الأمر سيخصع للتحقيق، ومن بعده تعلن نتائج التحقيق كاملة، بدلا من اتباع نهج السرية الذي يوحي للمتابع بأن كشف الفساد أحياناً قد «يحرج البعض».. في حين ان «البعض» هؤلاء يجب ألا نخشى «احراجهم» طالما تطاولوا على اموال الشعب وتلاعبوا بها، دون وازع ديني او عاصم اخلاقي. القيادة السياسية لا تريد التحدث عن الفساد دون ادلة دامغة، لذلك أنشأت مفوضية الفساد، ولعل هذه الخطوة جاءت نتيجة طبيعية للدور الذي اضطلعت به الصحافة السودانية في كشف كثير من بؤر الفساد .. وبالتالي من حق الصحافة ان تتلقى افادات متواصلة من قبل مفوضية الفساد عن دورها في محاربة الفساد، وان تقدم «أخباراً» تفيد بطبيعة وتفاصيل الملفات التي تحال الى جهات الاختصاص للتحقيق والمحاسبة.. وهناك ملفات لا تحتاج لسرية، خاصة التي تتعلق بالخدمات المقدمة للمواطنين، ومن هذه الملفات ما يمكن ان يسمى «قصوراً» وليس فساداً، كمحاربة الملاريا في السودان وحفريات الشوارع وتطاول اكوام الاوساخ ورداءة الخدمات في الموانئ البرية والبحرية والمطارات .. وهناك امور «تحوم» وسط الفساد والقصور كعربات الاسعاف التي تسمى خيرية وهي ترابط امام المستشفيات وتنشط في نقل الموتى، ولكن «بمقابل مادي كبير».. وبالتالي تنتفي تماماً عبارة «خيرية»، وتكون المصيبة كبيرة ان تم ادخالها دون رسوم جمركية تحت غطاء «خيرية». واذا قدر لمفوضية الفساد أن تتبع «الشفافية» في عملها فإنها سترفع كثيراً من الغبن الذي يحتدم في الصدور، فالمواطنون صبروا ومازالوا في صبرهم على الضائقة المعيشية، غير أن صبرهم سينفد امام مسلسل الفساد والقصور والاهمال من بعض المتنفذين ومعظم الموظفين الذين لا تهمهم الا مصالحهم الشخصية فقط. ونأمل أن تصبح أحاديث الفساد والقصور والاهمال من الماضي، حتى نعيش في وطن يعرف فيه الجميع كيف تؤدى الواجبات وتقضى الحقوق.