في مسرحية الواد سيد الشغال جاء على لسان عادل امام «ناس عندها لحمة وتعزم ناس عندها لحمة عشان تاكل لحمة»؟؟ تذكرت هذا السؤال الاستنكارى وأنا أتجول ذات يوم صائف قبل رمضان في شارع افريقيا وان شئت قل شارع المطار الذى اصبحت واجهته الغربية مكتظة بالمطاعم الفاخرة، فشارع المطار هذا كان قبل سنوات قليلة عبارة عن مسارين ضيقين كانت المسافة من لفة الجريف الى قلب الخرطوم تأخذ مننا نحن القادمين من جنوبالخرطوم قرابة الساعة فى أوقات الذروة، ولكن الآن أصبح ثمانية مسارات، ستة للمرور السريع واثنين جانبيين للتوقف المستمر، واصبحت المسافة بين لفة الجريف وقلب البلد تحتاج لدقائق معدودة لتجاوزها، وفي نفس الوقت اصبح هذا الشارع في غاية الفخامة، فكان طبيعياً ان تطل عليه المحلات التجارية «المي خمج»، بيد ان اللافت للنظر كثرة المطاعم «السياحية» التى يرتادها سودانيون كاملو الدسم، فيبدو ان المقصود السياحة الداخلية!! وتمتاز هذه المطاعم ليس بارتفاع ثمن وجباتها بل باكتظاظها بالرواد في وجبتى الغداء والعشاء. بدعوة كريمة من صديق «مرتاح» ذهبنا نحن اربعة لاجترار الذكريات، فقد جمعتنا الجامعة يوم ان كانت الجامعة تقدم وجبات لطلابها لا تقل في سعراتها الحرارية عن ما تقدمه هذه المطاعم، وبالفضول الصحفى سألت اخينا عن الفاتورة فاتضح لي انها تساوى ماهية معلم قديم على وشك المعاش، يعني نحن الخمسة في قعدة واحدة اكلنا كل ما يصرفه الاستاذ على وشك المعاش في شهر كامل، بعبارة ثالثة اذا جعلنا الوجبة في ذلك المطعم وحدة للقياس فان (99%) من الشعب السوداني سيكون دخلهم الشهرى مساوياً لثلاث وجبات في ذلك المطعم. ان هذا مؤشر على فرز طبقي سريع اجتاح البلاد أخيراً، لا نقول صراعاً طبقياً لأن المجتمع السوداني لا ينقسم الى طبقتين رأسمالية وشغيلة، ولكن عدم وجود الصراع لا يعني عدم وجود التباين والفرز الطبقي، فالمجتمع السوداني اصبح مجتمعاً طبقياً بيد ان طبقته العليا لا تأخذ فائض قيمة الطبقات الدنيا، انما تأخذ من الدولة التى اصبحت ريعية او المنظمات الاجنبية أو من النشاط الطفيلى في المضاربات والعقارات والسمسرة، هذه الطبقة قد توسعت وفرزت عيشتها فأصبحت لها مطاعمها ومنتزهاتها واحياؤها الخاصة وبالمقابل طبقة ناس قريعتي راحت اتسعت هي الأخرى، فالتى راحت فيها هي الطبقة الوسطى. الى زمن قريب كان التفاوت في مستويات المعيشة ومظاهرها في السودان محدوداً، واذهب الى أكثر من ذلك وأقول ان السودان مقارنة مع دول مجاورة لنا، التمايز الطبقى فيه ما زال هشاً، وهناك تداخل اجتماعي معتبر بين طبقاته، ولكن بمرور الزمن سوف تستطيل حوائط الاسمنت المسلح بين الطبقات، وبالتالى يصبح تدخل الدولة في هذا الامر مطلوباً وبأعجل ما تيسر، فعلى الدولة ان لا تسلم ذقنها لاصحاب الدثور والكروش كي يفرزوا عيشتهم عن بقية الشعب، على الدولة ان تتدخل في تصديقات المطاعم والأسواق والمنتزهات، ولكن يبدو ان الدولة وجرياً وراء الضرائب العالية رضخت للذين يملكون كي يغيظوا الذين لا يملكون لتتحرك دوافع الصراع الطبقي.