أياً كان ما شهدته الخرطوم في الأيام الفائتة، وسواء أكان ما حدث أو ما لم يحدث إن شئت، ينطبق عليه الوصف بالمحاولة التخريبية، أو الإنقلابية، أو أي شئ آخر. فإنّ ذلك من شأنه أن يغري دولة الجنوب بالتمادي في عدم تنفيذ ما يليها من اتفاقيات التعاون، مثلما تباطأت قبل أشهر على أيام الإحتجاجات الشعبية بسبب ارتفاع الأسعار من التوقيع على اتفاق مع الحكومة في أديس، ومثلما حاولت التملص من تنفيذ الاتفاق الأمني بعد قصف مصنع اليرموك. فمازال خصوم الإنقاذ في دولة جنوب السودان يترقّبون جثتها عند ضفة النهر، ويتهربون من تنفيذ ما أُتفق عليه مسبقاً بذرائع واهية في انتظار سقوط الإنقاذ بعد كل حراك شعبي أو تخريبي رغم التوقيع معها على جملة من الاتفاقيات التي لم تغادر الورق بعد إلى أرض الواقع. البعض في دولة الجنوب قوبلوا بانتقادات عنيفة عند توقيعهم على الإتفاقيات الأخيرة مع الخرطوم التي تصر على إنفاذ الاتفاق الأمني أولاً، بينما تصر جوبا على إستئناف ضخ النفط عبر أنابيب السودان من غير أن ترفع يدها تماماً عن حاملي السلاح في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وهي معادلة ثبت قبل ذلك عدم صلاحيتها في إحداث أية حالة من الاستقرار على الأرض. جوبا التي تنظر مبتسمة لما يحدث في الخرطوم، تحسب أن كل (كتاحة) فيها هي التغيير. وترى ان مصلحتها ذهاب المؤتمر الوطني ومجئ آخر يسهل التعامل معه، لأنه سيكون إما حليفاً لها، أو منشغلاً عنها بصورة تمكنها من الحصول على أكبر مكاسب سياسية بالتفاوض، ووضع اليد إذا لزم الأمر من غير أن يرفع أحد أصبعه في وجهها ليقول (لا) كما يفعل الوطني في بعض الأحيان. تداعيات ما عُرف بالمحاولة التخريبية يصعب التكهن بها الآن، فالأمور مفتوحة على أكثر من احتمال فيما يبدو بما في ذلك إمكانية التصعيد وربما إمكانية أن تطوى بعفوٍ رئاسي. لكن من المؤكد أن هذه العملية التخريبية ستؤثر على تنفيذ الإتفاقيات المبرمة مع دولة الجنوب، لأن البعض هناك ينظر إلى ما يحدث في الخرطوم بوصفه أمراً يهدد مستقبلها من جهة أن من قاموا به هم حماتها وصفوة كوادرها الخاصة، وقديما قال الراحل نقد في التعبير عن قدرات الشعبي في إيذاء الحكومة (أبو القدح بعرف وين يعضي رفيقو)، فكيف إذا كان هذا الرفيق يجلس تحت سقف واحد مع أخيه حتى يوم الخميس الماضي، ولم يغادره في العام 1999م عندما حصلت مفاصلة الإسلاميين الشهيرة. من الآخر، ومما يؤسف له كذلك، فإنّ هذه المحاولة التخريبية، سيعقبها على الأرجح مزيدٌ من التسويف من دولة الجنوب، وستكثر من تحرشها بمناطق حدودية مختلف على تبعيتها وربما دعمت الحركات المسلحة من جديد لإضعاف الحكومة ظناً منها أنها وصلت مرحلة من الضعف يمكن أن تسقط بعده بقليل من الدعم للمناوئين لها، وبالتالي فإنّ رد الحكومة على استفزاز حكومة الجنوب المحتمل، سيكون قوياً لإثبات خطل مثل هذا الإعتقاد، وربما يعيد الأمور كلها إلى المربع الأول من جديد، (والله يكضب الشينة) كما يقولون.