في اعتقادي أن د. الزبير أحمد الحسن لم يتوقع يوماً أن يكون الأمين العام للحركة الإسلامية في موقع الزعامة التاريخية لشيخ حسن الترابي أو شيخ علي عثمان محمد طه الذي صعّده ( الشيخ ) فأثار حفيظة أقران كثر.... هذه الفذلكة التاريخية لا تنقص من شيخ الزبير لا علماً أو تديناً أو التزاماً برؤية الحركة الإسلامية منذ البدايات وإلى استلام السلطة، ومن ثم كل تداعيات الابتلاءات التي مرت بها من مفاصلة إلى انفصال جنوب السودان . الزبير أحمد الحسن أقرب الظن أنه ذو طبيعة زاهدة، وهذا ليس من باب الغزل الصريح ... فالجميع يعرف تلك الخصلة منذ زمن بعيد. فالحركة الإسلامية من مميزاتها التنوع والاختلاف من أقصى اليسار الإسلامي إلى المتصوفة و السلفية والوسط إلى أقصى اليمين ... كل هذا الطيف احتملته الحركة الإسلامية السودانية واستفادت من قدرات الجميع بشكل مدهش، والغريب أن التنظيم من بواكير أيامه وإلى حين استلام السلطة كان بعيداً بنسب عالية من أمراض الطائفية والجهوية والقبلية . الزبير أحمد الحسن من البدريين ... انتمى للحركة الاسلامية منذ وقت مبكر فعرف بتدينه الشديد ... وكل ما يتمخض من هذا الأثر العميق من حياء وإيثار وزهد وخلوص للعمل المكلف به ... وأبغض شيء له أن يكشف هكذا للأضواء التي نأى عنها طوال عمله التنظيمي السابق إلى أن كلف بالوزارة، وهذه مرحلة أخرى في حياة الزبير أحمد الحسن لست بصددها الآن ... لكن ما أود ذكره أن الزبير شخص أصيل في الحركة يدرك الكثير من خباياها وانتصاراتها وهزائمها، ربما يصنفه البعض أنه ( توافقي ) ولا يحتمل الصراعات التي ظهرت في مؤتمر الحركة الإسلامية الذي اختاره أميناً عاماً للحركة بعد تنحي د. غازي صلاح الدين أقوى المرشحين للمنصب، والذي يعتبره البعض قائد الإصلاح في الحركة بمواقفه الفكرية وكتاباته المتعددة التي تنتقد بعض الهنات التي لازمت الدولة، مما جعل الكثير من الشباب وآخرين يلتفون حوله . لا فرق بين غازي والزبير فكليهما رضع من حليب واحد ... وتربى على نهج الإيثار والتضحية والإخلاص ... رغم أن الاهتمامات والمواهب والقدرات مختلفة كثيراً إلا أن ما يجمعهما أشد وأعمق ولذا ذكر الزبير أنه التقى بدكتور غازي عقب ختام مؤتمر الحركة الإسلامية لينسق معه ويستفيد من رؤاه الإصلاحية للحركة لتعود سيرتها الأولى قائدة للمجتمع موحية للدولة . 2 اختير الزبير أحمد الحسن أميناً للحركة الإسلامية في وقت عصيب جداً ... حيث تمر الحركة بململة واسعة من قاعدتها العريضة التي تتوق للمثال مع ابتلاءات السلطة وسقوط البعض في اختباراتها المتنوعة، في ظل وضع دولي معقد, و داخلي عاصف، تمدد فيه التمرد على أصقاع شتى على اثر أسوأ سيناريو عقب انفصال الجنوب مع وضع اقتصادي مأزوم أو على أقل تقدير صعب . المؤتمر الأخير للحركة الإسلامية أظهر تيارات مختلفة وعديدة ترنو لأشواق الإسلاميين في السلطة التي تفرز عدالة اجتماعية وحرية وكرامة للإنسان ... هذه المعاني الكبرى لاحق بها معارضون الإنقاذ على أن فترتها هي الأسوأ في هذه المجالات، بينما يرى بعض المشفقين أن فترة الإنقاذ اعترتها الكثير من المثالب وذلك لأسباب داخلية إلا أن أكثرها عوامل خارجية تخص كراهية القطب الدولي الواحد . للمشروع الإسلامي ... بينما يرى شق آخر من المشفقين أن الأخطاء لازمت مشروع الدولة من أيدي أهل الإنقاذ أنفسهم حيث نضبت شرايين الشورى واقتصر الأمر على قلة من المتنفذين ... بينما عورات ذلك يعم على جميع أعضاء الحركة الإسلامية هذا الشعور صاحبه علو في النبرة ومذكرات عديدة للقيادة السياسية والتنظيمية ... ظهر كل هذا الضجيج بعد المفاصلة الشهيرة ... حيث استبيحت شرعية مسائل كانت في السابق تعتبر مقدسة الأسرار التنظيمية و القيادات التأريخية للحركة صارت في متناول الإعلام الراشد وأغلبه غير ذلك . يأتي الزبير أحمد الحسن في ظل كل هذه الأجواء الملبدة التي تحتاج إلى مجهود مضنٍ يستوعب كل النداءات الساخطة عن حب، و الوجلة عن حرص ألا ينفرط العقد المنظوم . شيخ الزبير هذه العبارة التي تحرّج منها أثناء المقابلة التلفزيونية التي أجراها معه الصديق الطاهر حسن التوم في برنامجه حتى تكتمل الصورة . لأنها ربما تذكر البعض بلفظ الذي يحتله شخص بعينه لكن ليس غريباً على الزبير أن يتصف بصفات الشيخ الذي ينادي بها منذ زمن بعيد .... وهذا يستوجب منه السعة واستيعاب المدارس المختلفة في الحركة والمناداة بالإصلاح ورفع الظلم الاجتماعي وإشاعة القيم في المجتمع الذي يرفد الحركة بالكثير من القيم السمحة . الزبير أحمد الحسن ابتدر دورته الأولى في أمانه الحركة الإسلامية بحدث ( الحركة التخريبية ) التي طالت طائفة مميزة من أبناء الحركة الإسلامية على رأسهم الفريق صلاح ( قوش ) واللواء عادل الطيب والعميد ود إبراهيم وطائفة من إخوة في منظمات جهادية مرموقة ... الأمر الآن في طور التحقيقات ولا أريد أن أخوض في موضوع قيد النظر من جهات أمنية وعسكرية أمينة على البلاد، رغم ما ذكر أن الحدث برمته كما جاء في تحليلات عديدة له جذور بالتيارات التي ظهرت في المؤتمر الثامن للحركة الإسلامية . 3 فعل خيراً الأمين العام الجديد للحركة أن يتنازل عن كل وظائفه السابقة في الحزب أو مجالس الإدارات ليتفرغ للمهام الكبرى التي أُلقيت على كاهله . وفي هذا الصدد ذكر شيخ ( الزبير ) في برنامج حتى تكتمل الصورة ألا مانع لديه في لقاء شيخ حسن والتحاور مع الشعبي ... بل أضاف أن القاعدة الفكرية للحزبين واحدة ولا يرى اختلافاً واضحاً بينهما ... هذه الإشارة مهمة للغاية .... وذلك لسبب جوهري أن الأمين العام الجديد خارج المؤثرات النفسية التي أصابت الطرفين ... واعتصم بها الشعبيون أكثر من الوطنيين . الأمين العام للحركة الإسلامية معني بملفات تفعيل وتطوير الحركة على إرث ممتد منذ الأربعينات وإلى الآن مع وجود رصيد هائل للتجارب السالبة والباهرة معاً . الظرف الحالي يستوجب من د. الزبير أحمد الحسن خلق مواعين كبيرة لاستيعاب المدارس المختلفة ... والمطالب الإصلاحية الداوية والخافتة حتى لا تنفلت من إطار المؤسسات التنظيمية لأنها إذا لم تجد تلك المواعين ستخرج للفضاء المفتوح أو تتخذ أساليب أخرى لا تناسب الفعل التنظيمي الملتزم . في ظل ثورة الإعلام الهائلة ستجد العديد من الأصوات منافذ أخرى للصراخ والضجيج ... ومن ثم يجد العديد من الصائدين صيدهم في متناول الشباك اليقظة . في اعتقادي أن توصيات مؤتمر الحركة الثامن به الكثير من النقد لتجربة الحركة في الحكم كما نجد في طياته العديد من المعالجات التي تحتاج لبرامج ومتابعة حثيثة لإنزالها على أرض الواقع ... أما أصحاب المذكرات والدعوات الإصلاحية والهمهمات هنا وهناك مطالبون بالانخراط بفعل إيجابي داخل مؤسسات الحركة الإسلامية لإصلاح الحياة العامة . الزبير أحمد الحسن بورعه وزهده وسبقه، وضعته الظروف في مهمه صعبة تستحق من كل حادب على الحركة أن يقدم فكرة لكن بشرط أن يجد المناخ المناسب لاستيعاب الحوار والنقد البناء، ولذلك على الأمين العام ( عمل جرد ) لأعضاء الحركة داخل وخارج السودان والاستفادة من إمكاناتهم وقدراتهم لتطوير العمل التنظيمي . ربما يبدو حديثي متفائلاً في ظروف بالغة الصعوبة .... ولكني على يقين أن المجموع الإسلامي لا يجتمع على ضلالة ... وهو قادر على تجاوز العقبات رغم أن قوى الشد العكسي من أصحاب الأهواء والمصالح يعملون ليل نهار ضد الإصلاح واستواء الأمر و التغيير . وكما قال د. قطبي المهدي إن الإصلاح صار ضرورة حتمية للقادة . حاشية :- أمير الظلام فيلم للمبدع عادل إمام ... وفيه يمثل دور كفيف يرى بقلبه ما لا يرى بالعين. وهكذا د. الزبير أحمد الحسن الذي عمل زمناً طويلاً في دوائر أبعد من الضوء ولكنه يرى بقلب سليم بإذن الله .