تعزيزات عسكرية ضخمة ذهبت الى ولاية جنوب كردفان.. ونفرة كبرى من الدفاع الشعبي في طريقها الى هناك.. وإعلان صريح من مدير جهاز الأمن والمخابرات أن العام المقبل سيكون حاسماً للتمرد.. كان الهدف من كل هذه المعطيات واضحاً.. ردع الجيش الشعبي في الولاية وإنهاء مغامراته العسكرية.. والوسيلة أوضح، فمتى كانت الحكومات تلوح بأغصان الزيتون وترفع المناديل البيضاء لمن يروّع المواطنين ويقطع الطريق؟ بدت المعادلة في ولاية جنوب كردفان وكأنها مقلوبة.. متمردون يجترئون على الحكومة بقصف يستحق عن جدارة وصف العبثي.. مجموعة من القذائف تتساقط على كادوقلي عاصمة الولاية في مناسبات مختلفة كملتقاها للسلام، في إشارة مضللة إلى أن ما يبحث عنه المؤتمرون في الولاية يفتقدونه حيث يجتمعون. لكنه لم يكن تصرفاً عسكرياً ًغريباً، فهو ينسجم مع السيمفونية التي يعزفها الجيش الشعبي هناك.. ان يرد على كل عمل سياسي من الحكومة بعمل عسكري.. مثلما صعّد من هجماته على المدن والبلدات ومارس الاغتيالات السرية للرموز السياسية بعد إعلان الحكومة لوقف اطلاق النار من طرف واحد.. ولمن يطلب الدليل على ذلك ففي مقتل إبراهيم بلندية البرهان الساطع. ما الذي يغري المتمردين بتكثيف هجماتهم على جنوب كردفان دون أية منطقة أخرى؟.وهل حقاً هناك سر وراء هذا الهجوم الكثيف على جنوب كردفان لا يعلمه إلاّ العسكريون؟.. أم أن الجغرافيا وحدها هي التي فرضت حكمها على ولاية جنوب كردفان كمنطقة محاذية لدولة الجنوب مما يسهل عملية التموين والتشوين للجيش الشعبي؟ عبث الجيش الشعبي في جنوب كردفان يشبه عبث الحركات المسلحة في دارفور.. الفرق الوحيد هو أن العبث في دارفور أفلح في ميلاد وضع انساني تكسبت منه الحركات واسترزقت منه المنظمات الاجنبية وتبضع فيه الباحثون عن ادوار صغيرة، وشكل مادة خصبة في عالم الميديا. هذا هو بالضبط ما يرغب قطاع الشمال في ان يحدث بجنوب كردفان.. ازمة انسانية محمولة على ظهر القذائف والصواريخ التي طالت كادوقلي العاصمة الحصينة للولاية.. واغتيالات وذبح للعناصر المدنية العزلاء من السلاح.. ومن عجب أن المدنيين الذين يذرف عليهم قطاع الشمال دموع التماسيح، ويستجدي بهم المنظمات الأجنبية أصبحوا الضحية الأولى للجيش الشعبي. تأبت دولة الجنوب على الخرطوم بقطع علاقتها العسكرية مع الجيش الشعبي بجنوب كردفان والنيل الأزرق، فهل تفعلها الخرطوم بنفسها.. ان تقطع دابر الجيش الشعبي في المنطقتين دون الحاجة للاستعانة (بصديق) رغم انه غير متوافر في دولة الجنوب.