تباينت ردود الفعل الدولية على تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الخميس لصالح رفع مستوى التمثيل الفلسطيني في المنظمة الدولية إلى صفة دولة مراقب غير عضو، إذ اعتبره بان كي مون «حدثا مهما»، بينما رأت واشنطن فيه خطوة «غير مجدية»، ودعت لندن وباريس الإسرائيليين والفلسطينيين للعودة إلى طاولة المفاوضات. فبعد إعلان نتيجة التصويت على منح فلسطين وضع دولة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة، حث الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون الطرفين على تجديد التزامهما تجاه السلام القائم على التفاوض. وقال بان «إن موقفي كان دائماً متسقا، وهو أنني أومن بأن للفلسطينيين حق إنشاء دولتهم المستقلة، وأومن بأن من حق إسرائيل العيش في سلام وأمن مع جيرانها، ولا يوجد بديل عن المفاوضات لتحقيق ذلك». وأضاف أن «تصويت اليوم يؤكد الحاجة الملحة لاستئناف مفاوضات ذات مغزى، علينا أن نعطي دفعة جديدة لجهودنا المشتركة من أجل ضمان أن دولة فلسطين المستقلة الديمقراطية المتصلة وذات السيادة والقادرة على الاستمرار، تعيش جنبا إلى جنب مع دولة إسرائيل الآمنة». ودعا الأمين العام جميع الأطراف إلى «التصرف بشكل مسؤول والحفاظ على الإنجازات المحرزة على مسار بناء الدولة تحت قيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض، وتكثيف الجهود لتحقيق المصالحة والسلام العادل والدائم». وقد أصبحت فلسطين الخميس دولة مراقبا غير عضو في الأممالمتحدة، وذلك بعد عملية تصويت تاريخية في الجمعية العامة هلل إثرها الفلسطينيون في رام الله وغزة وعارضتها الولاياتالمتحدة وإسرائيل اللتان حذرتا من تداعيات هذه الخطوة. وبأغلبية 138 دولة مقابل معارضة تسع دول وامتناع 41 عن التصويت، وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على رفع التمثيل الفلسطيني إلى صفة «دولة مراقب غير عضو» بعدما كانت «كيانا» مراقبا. واعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في أول تعليق له إثر التصويت أن هذا القرار «انتصار للسلام والحرية والشرعية الدولية والقانون الدولي». وأضاف في حديث لوكالة الصحافة الفرنسية «أشكر الشعب الفلسطيني وأقدم له التهنئة بهذا الإنجاز، كما أشكر شعوب الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم الذين صوتوا لصالح فلسطين». وقد سارعت الولاياتالمتحدة -التي صوتت ضد القرار- إلى التعبير عن أسفها لإقرار الوضع الجديد لدولة فلسطين في الأممالمتحدة، مؤكدة أن هذا التصويت «مؤسف وغير مجد» و»يضع عراقيل أمام السلام». وقالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون خلال منتدى في واشنطن انتهزته فرصة للتعليق فورا على القرار التاريخي للجمعية العامة، إن هذا القرار «يضع مزيدا من العراقيل أمام طريق السلام»، معتبرة أن الطريق الوحيد لقيام دولة فلسطينية هو استئناف مفاوضات السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل. بدورها قالت السفيرة الأميركية في الأممالمتحدة سوزان رايس أمام الجمعية العامة «إن القرار المؤسف وغير المجدي الذي صدر اليوم يضع مزيدا من العراقيل في طريق السلام، لهذا السبب صوتت الولاياتالمتحدة ضده». وأضافت أن «هذا القرار لا يجعل من فلسطين دولة»، مكررة بذلك ما سبقها إليه نظيرها الإسرائيلي رون بروزور من على المنبر نفسه، مشددة على أن «هذا التصويت الذي حصل اليوم لا يعطي بأي حال من الأحوال حقا لكي تصبح (فلسطين) عضوا في الأممالمتحدة». بدوره ندد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالخطاب الذي أدلى به الرئيس الفلسطيني أمام الجمعية العامة خلال جلسة التصويت، مؤكدا أنه خطاب «مليء بالدعاية الكاذبة». وقال نتنياهو في بيان مقتضب أصدره مكتبه إن «الأممالمتحدة استمعت إلى هذا الخطاب المليء بالدعاية الكاذبة ضد الجيش الإسرائيلي والمواطنين الإسرائيليين.. ليس بهذه الطريقة يتكلم رجل يريد السلام». وأضاف أن «قرار الأممالمتحدة لن يغير شيئا على أرض الواقع.. لن تكون هناك دولة فلسطينية دون ترتيبات تضمن أمن مواطني إسرائيل». أما كندا -التي صوتت أيضا ضد القرار- فكان رد فعلها أيضا سلبيا، وقال وزير خارجيتها جون بيرد إن هذا القرار «سيقوض ركائز عملية -حتى وإن لم تكن قد اكتملت- فهي تبقى الفرصة الواقعية الوحيدة للتوصل إلى رؤية دولتين مزدهرتين تعيشان جنبا إلى جنب بسلام». من جهتها دعت بريطانيا -التي امتنعت عن التصويت على القرار- الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني للعودة إلى طاولة المفاوضات. وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ «نحترم خطوة الرئيس عباس ونتيجة التصويت»، مضيفا «سنضاعف جهودنا لإعادة إطلاق عملية السلام، وسنواصل دعم الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية وحل الدولتين». ودعا هيغ أيضا إسرائيل إلى عدم الرد على قرار الجمعية العامة بخطوات من شأنها تقويض فرص استئناف المفاوضات. ومن جهته دعا الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند -الذي صوتت بلاده لمصلحة القرار- إلى استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية «بلا شروط وبأسرع ما يمكن». وأوضح هولاند في بيان أن فرنسا صوتت لصالح هذا الاعتراف الدولي بفلسطين، وأن فرنسا «أيدت الخيار المتجانس مع هدف الدولتين اللتين تعيشان في سلام وأمن والذي تم التنصيص عليه منذ 1947». وأكد أنه «للتوصل إلى هذا الهدف يجب أن تستأنف المفاوضات بلا شروط وبأسرع ما يمكن»، مضيفا أن «الحوار المباشر هو بالفعل السبيل الوحيد للتوصل إلى حل نهائي لهذا النزاع»، وقال إن فرنسا «على استعداد للإسهام في ذلك بوصفها صديقا لإسرائيل ولفلسطين»، مذكرا بأن القرار الفرنسي في هذا الشأن منسجم مع «الالتزام بدعم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين». من جهته ذكر الاتحاد الأوروبي الخميس أنه يدعم قيام دولة فلسطينية، وقالت مسؤولة الشؤون الخارجية والسياسية فيه كاثرين آشتون في بيان نشر قبل ساعات من التصويت، إن «الاتحاد عبر مرات عدة عن دعمه ورغبته في أن تصبح فلسطين عضوا كاملا بالأممالمتحدة في إطار حل للنزاع». وأضافت أنه «مستعد للاعتراف بدولة فلسطينية في الوقت المناسب». ويشكل هذا الوضع الدولي الجديد الذي يصبح معه متاحا للفلسطينيين العضوية في منظمات الأممالمتحدة والمعاهدات الدولية، نصرا دبلوماسيا كبيرا رغم أنه قد يعرض السلطة الفلسطينية إلى عقوبات مالية أميركية وإسرائيلية. وتضمن القرار الذي أقرته الجمعية العامة نصا يعرب عن «الأمل بأن ينظر مجلس الأمن إيجابا» في قبول طلب الدولة الكاملة العضوية في الأممالمتحدة، الذي قدمه عباس في سبتمبر/أيلول 2011 وتعثر في مجلس الأمن بفعل استخدام الولاياتالمتحدة حق النقض. كما يدعو القرار إلى استئناف المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المتعثرة منذ أكثر من سنتين للوصول إلى «تسوية سلمية» تسمح بقيام دولة فلسطينية «تعيش بجانب إسرائيل في سلام وأمن على أساس حدود ما قبل 1967». يشار إلى أنه لم يتم اختيار يوم أمس الخميس للتصويت من باب الصدفة، بل هو تاريخ ذكرى إقرار الأممالمتحدة عام 1947 خطة تقسيم فلسطين التي نصت على إقامة دولتين يهودية وفلسطينية.