قدم السيد يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الإسلامى وثيقة (الإطعام من جوع و الأمن من خوف) التى دعا فيها لتكوين حكومة قومية تخرج البلاد من مأزقها الحالى و أوضاعها السيئة حسب ما جاء فى المبادرة . حوت المبادرة رؤى استحقت اهتمام الناشطين السياسيين , إلا أن الدعوة لدولة مدنية من حزب إسلامى وجدت الاهتمام الأكبر خاصة من الإعلام , باعتبار التعارض التقليدى بين الدولة المدنية و الدولة الدينية . يعرف عن الأستاذ يوسف الكودة اعتداله و بعده عن الغلو ، مما يعده آخرون تراخياً لا يجوز فى مسائل قطع فيها الدين بآراء حاسمة . هذا جدل لا تحسمه إلا حقيقة ساطعة يتحاشاها كل الإسلاميين خوفاً من الوقوع فى ما قد يكون طعناً فى الدين بعدم الكمال . سارع بعضهم إلى تبني كل فكرة جديدة رائجة بالزعم أن الإسلام قد أتى بها قبل أربعة عشر قرنا , و حرص آخرون على رفض أية رؤية صحيحة إلا بعد أن يطلق عليها مصطلح إسلامى , فلا تكون الديمقراطية مقبولة إلا بعد أن تسمى الشورى . يطرح الآن الكودة رؤى سياسية تصلح أن تكون أساساً للحكم الراشد , لكن لا يمكن الزعم أن هذه هى رؤية الإسلام فى الحكم و لا يمكن أيضاً الإدعاء أن طرح الكودة محرم فى الإسلام .. و كذلك الحال لطرح حزب التحرير (الإسلامى) الذى لا يمكن أن يزعم أنه طرح الإسلام ما دام فى الساحة الكودة و الترابى و الحركة الإسلامية كما لايمكن أن ينكر على حزب التحرير طرحه باعتباره منافياً للدين .. و ما دام الأمر كذلك , فإن الوسط (الإسلامى) لم يخالف الدين و لا يحتكر رؤيته , و التحرير (الإسلامى) لا يمثل رؤية الإسلام و لم يكفر , و كذلك الحركة الإسلامية .. فلماذا تلحق صفة الإسلامى بهذه الأحزاب .. هذا إدعاء لا يضفي على طرح الحزب أية ميزة إيجابية تعفيه من شروط التنافس مع بقية الرؤى , و يمكن أن يتبنى آراء الكودة حزب إسمه الإصلاح الديمقراطى مثلاً , أو أن يتبناها أردوغان أو مسيحى يقود لبنان, و معايير التقييم الوحيدة هى القرب و البعد عن مواصفات الحكم الراشد .. لذا أقترح على السيد يوسف الكودة أن يسحب صفة الإسلامى من حزبه و يدعو بوصفه سياسياً إلى دولة ديمقراطية . و بما أن فى ذهنية الكودة رواسب من الإسلام السياسى , أشارت وثيقته إلى (غير المسلمين) فى السودان و منت عليهم بأنهم (تحت جوارنا و أمننا و برنا) فضربت هذه الفكرة العارضة دعوة حزب الوسط الإسلامى للدولة المدنية فى مقتل , إذ أن مجرد ذكر غير المسلمين و لو أكدت الوثيقة فيما بعد على كامل حقوقهم يعد هدماً لفكرة المواطنة , حيث أن السودان حسب مبادئ الدولة المدنية وطن السودانيين و ليس وطن المسلمين .