النتائج التى ستفضى إليها انتخابات مجلس النواب الياباني فى السادس عشر من الشهر الجاري، ستغير وجه اليابان، فهذه الانتخابات المبكرة التى دعا إليها رئيس الوزراء الحالى يوشيهيكو نودا, تأتى فى أجواء من الغموض والجمود السياسي الذى يسبق التغيير الراديكالي لا محالة، فحالة الانكماش الاقتصادي، وتراجع قطاع الصناعات التحويلية، وظهور الصين كقوة كبرى فى العالم، فرضت على الساحة السياسية فى اليابان تحركاً مختلفاً، ويخشى مراقبون من أن حالة الجمود الراهنة قد تهىء المسرح لصعود أصحاب النزعات القومية مثل وتورو هاشيموتو رئيس بلدية أوساكا الذي يحظى بشعبية جارفة، ومحافظ طوكيو السابق شينتارو إيشيهارا زعيم حزب التجديد الياباني الذى يحتل المركز الثاني بحسب استطلاعات الرأى الأخيرة ، وفى حال وصوله إلى الحكم وهو أمر متوقع من خلال استطلاعات الرأي العام، وتزايد شعبيته, فإن ذلك يعني المزيد من التوتر فى العلاقات مع الصين، لأن زعامة الحزب تتبنى التصعيد. وكان زعيم الحزب محافظ طوكيو السابق شينتارو هو من أشعل الصراع الأخيرعلى الأراضي مع الصين بسبب خطط شراء مجموعة من الجزر المتنازع عليها. من جانبه, يطمح الحزب الديمقراطي الحر في استعادة أراضيه السياسية من الحزب الديمقراطي الياباني الحاكم الذى فاز بآخر انتخابات فى العام 2009 م. واضعاً حداً لسيطرة الحزب الديمقراطي على المشهد السياسي فى اليابان لأكثر من نصف قرن ، ولكن حزب رئيس الوزراء الحالي نودا، فشل فى الحفاظ على هذا الانتصار التاريخي بسبب ما يراه الكثير من اليابانيين عدم الوفاء بوعوده الانتخابية، كما ان الأداء المربك إزاء مواجهة تداعيات كارثة التسونامي التي اجتاحت اليابان العام الماضي، والأزمة النووية التي أعقبتها، وسياسات نودا التي لا تحظى بشعبية مثل رفع الضرائب وإعادة تشغيل مفاعلات نووية، جميعها ربما عجلت برحيل الحزب ، الذى تشير استطلاعات الرأى أن البديل سيكون الحزب الديمقراطي المعارض خصوصاً والحزب يطرح القيام بخطوات بسياسات نقدية قوية لمعالجة الانكماش الاقتصادي. الشعب اليابانى فى حال لم يجدد لحزب رئيس الوزراء الحالى نودا الحزب الديمقراطي الحر، فإن البديل سيكون واحدا من خيارين أحلاهما مر على مستوى العلاقات الخارجية لليابان، فأما القوميون أنصار حزب التجديد الياباني، وأما المحافظون من أنصار الحزب الديمقراطي الحر، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق شينزو ابيى الذين يتبنون خطة تقوية الجيش الياباني، وهذا فى نظر الكثير من المراقبين فى حال لم يترافق مع خطط دبلوماسية واقية، فان النتيجة هى توتر علاقات اليابان مع جوارها الاقليمي، كما ان شينزو ابيى رئيس الوزراء العام 2006 الى العام 2007 يسعى التى توسيع التعاون العسكري مع الولاياتالمتحدة رغم المعارضة الداخلية لوجود الجيش الامريكي على الأراضي اليابانية بسبب الجرائم الاخلاقية لعناصر الجيش الامريكي فى جزيرة اوكيناوا ، شينزو كذلك من أنصار التصعيد مع الصين فى ملف الجزر المتنازع عليها، وهذا سيشكل تحديات كبيرة لكيفية إدارة التحالف مع الولاياتالمتحدة مستقبلاً ،وصول حزب شينزو للحكم قد يوسع دائرة التوتر التى لن تقتصر فقط على الصين، وقد تمتد إلى حلفاء اليابان فى المنطقة كالفلبين وكوريا الجنوبية التى تشملها جميعاً تحالف أكبر يضم الولاياتالمتحدة وأستراليا. الحملات الانتخابية التى تجرى الآن فى اليابان تتمحور حول القضايا الداخلية الخاصة بالتعافي من تداعيات الأزمة النووية التى خلفها أعصار تسونامى. فضلاً عن أحزاب المعارضة جميعها تقف ضد انضمام اليابان الى محادثات الشراكة التجارية عبر الباسفيك التى من شأنها إغراق الأسواق الياباينة بالمنتجات الزراعية من دول الباسفيك، مما يؤثر سلباً على المزارع المحلي. وكان رئيس الوزراء نودا قد أعلن العام الماضي نية اليابان الانضمام إلى المفاوضات، ووجد الأمر معارضة شعبية واسعة، وشاهدت فى أكتوبر الماضي جانباً من تلك المظاهرات فى طوكيو. وتمثل السياسة النقدية قضية رئيسية في الانتخابات, في الوقت الذي يطرح فيه سياسيون سبلاً لإنهاء الانكماش وحماية ثالث اقتصاد في العالم من الانزلاق بصورة أكبر نحو الركود.وقال إيتسورو هوندا الأستاذ بجامعة شيزوكا ومستشار آبي لوكالة (رويترز) للأنباء إن الحزب الديمقراطي الحر قد يقدم للبرلمان بحلول يوليو مشروع قانون يضع للبنك المركزي حدا ملزما للأسعار، ويمنحه تفويضا بالعمل على رفع مستوى التوظيف إلى أقصى حد ممكن. ويقول الحزب الديمقراطي الحر الذي دعم الطاقة النووية أثناء حكمه الطويل, إنه سيحدد المزيج الأفضل لمصادر الطاقة في غضون عشرة أعوام. وأظهرت استطلاعات رأي جديدة أجرتها مؤسسات إعلامية كبرى بينها صحيفتا (أساهي) و(نيكي) الاقتصادية ووكالة (كيودو) للأنباء، أنه من المتوقع حاليا أن يفوز الحزب الديمقراطي الحر بما يتراوح بين 257 و306 مقاعد من أصل 480 مقعدا في مجلس النواب، رغم أنه ليس مرجحا أن يتخلى عن تحالفه مع حزب كوميتو الجديد. وأظهرت استطلاعات الرأي أيضا أن الحزب الديمقراطي الحاكم في اليابان قد يفقد نصف مقاعده أو أكثر في مجلس النواب، ورغم ذلك كشفت استطلاعات لآراء نحو 100 ألف ناخب أن حوالي 40 بالمائة لم يقرروا بعد لمن سيدلون بأصواتهم. وتجدر الاشارة أخيرا الى أن الانتخابات الحالية، هى انتخابات مبكرة دعا اليها رئيس الوزراء نودا بعد أن قرر حل البرلمان, حيث ينص الدستور الياباني على أن حق حل البرلمان من الاختصاصات الحصرية لرئيس الوزراء، وتكمن أهمية البرلمان فى الحياة السياسية فى اليابان كونه الجهة التى تنتخب رئيس الوزراء، وتجيز الميزانية،والمراقب للحياة السياسية فى اليابان يشهد أنها تشبه كثيرا الديمقراطية الكويتية من جهة عدد المرات التى ينتخب فيها البرلمان، ويتغير فيها رؤساء الوزراء. فمنذ انتخابات العام 2009 التى فاز بها الحزب الديمقراطي، جرى تغيير ثلاثة رؤساء وزراء خلال ثلاثة أعوام وثلاثة أشهر من حكمهم، كما حدث انقسام داخل الحزب، وتراجعت شعبية الحكومة إلى ما دون ال20 %، ففى سبتمبر من العام 2011 تولى يوشيهيكو نودا رئاسة الحكومة اليابانية خلفاً لكان، واضطر نودا لتبني قانون رفع الضريبة الاستهلاكية، مما أسفر عن انشقاق نحو( 50) نائباً عن الحزب الديمقراطي.