كثيرون كانوا يتطلعون إلى وجود أسواق بالخرطوم ، تدخل انماط شرائية ، أسوة ببلدان العالم المتطورة ، حيث انتشار (المولات) المكتظة بالبضائع الجيدة ذات الماركات العالمية ، دون أي خداع وبأسعار تتناسب مع الحالة الاقتصادية لبلدانهم .. أراد القدر لتلك الثقافة أن تجد حظها من الانتشار فى الخرطوم ، بانتشار عدد من (المولات) الفخمة ببناياتها الانيقة ، وبداخلها بضائع خارج نطاق القدرة الشرائية لسكان العاصمة ، لأن أسعارها تستفز حتى من يملكون القدرة على الشراء ، فهل يعقل أن يصل سعر حقيبة يد نسائية إلى (600) جنيه ؟ ... السؤال هنا من يشترى ؟ فى صالات عرض مكيفة فى (مول الواحة) الذى لم يمض وقت طويل على افتتاحه ، كنا نرصد الحركة الشرائية لزوار المول ، الذين يقفون اعجاباً بالبضائع وطريقة عرضها ، خاصة المواد الغذائية (الأجبان و اللحوم) .. يقفون لثوان معدودة ثم يديرون ظهورهم لها ، لأن للسعر الخرافي قدرته على منع الشراء .. صالات ذلك المول تغلي وتفور طوال النهار بالزوار الذين يغادرونها وعلى الثغر ابتسامة لسخرية القدر التى جعلت أمنية (انتشار المولات) قريبة وبعيدة المنال فى آن واحد ، دخول تلك الأسواق أضحى كالأمر الترفيهي لسكان العاصمة، خاصة من يكابدون مشقة الحصول على (لقمة عيش) .. ليس (مول) الواحة وحده من تشرفتْ بوجوده العاصمة، فهناك آخر يقع فى منطقة الثورة أمدرمان لا يختلف عما سبقوه . ما تم انفاقه من مال لبناء تلك الصروح التجارية الضخمة ، كان كفيلا أن يصلح حال عشرات الأسواق البائسة .. و إن وظف استثمارها بصورة مدروسة أي بطريقة تناسب الحالة الاقتصادية للبلد ، لنجح ذلك الاستثمار ، الذى تحولت صالات عرضه، مكاناً ل (الفرجة) وليس الشراء . الخبير الأممى فى الفقر د / أديب نعمة قال : هناك خلاف فى معايير الرفاهية بين الدول ، فمثلاً فى الدول المتقدمة التي ترتفع فيها نسبة انبعاث الكربون ، إنشاء مصنع جديد يحتاج لدراسة وعدة مراجعات،أما في دول العالم النامي التي تفتقر للمصانع فالأمر ليس رفاهية ، بل ضرورة ملحة ، وقال على ذلك قس ، مثلاً فى دول العالم المتقدمة ، يكون هناك مجمع تجاري ضخم فى منطقة ما يقيس مستوى دخل الفرد .. وتساءل ما حاجة دول العالم النامي لإنشاء المولات ، لأن حالة الفقر التى تكون عليها الدولة النامية لا تحتاج لمول تجاري ، يكرس للفقر والبطالة معاً . من حديث أديب يتبين خطأ الانفاق غير المدروس ، فى وطن يحتاج لكل (مليم) .. فكيف يجازف هؤلاء بمشاريع لا يغطي عائدها ثمن فواتير الكهرباء ، وإيجار المحل . فعلى من يوجهون الاستثمار فى السودان إعادة النظر فى دراسة المشاريع قبل الموافقة عليها .