كثر السجال والجدال بين وزير المالية ورئيس إتحاد نقابات العمال البروفيسور غندور حول زيادة الأجور ورفع الحد الأدنى للأجور ،وفي خضم التصريحات والتصريحات المضادة قبيل إجازة الموازنة ،برز رأي يخوف من ارتفاع الأسعار وبالتالي التضخم إذا تمت زيادة المرتبات ،وكأنما المرتبات هي تفي أصلاً بأعباء المعيشة ما يجعل أية زيادة فيها زيادة في فائض مداخيل الموظفين وبالتالي زيادة في مدخراتهم ليطمع فيها التجار لانتزاعها؟ والواجب يقتضي ألا نسلم بهذه الفرضية ليس من حيث حدوثها لأن ذلك صحيح لكن من حيث كونها ظاهرة اقتصادية غير سليمة تصبح عيبا بينا في النظام الاقتصادي وتحديدا في آلية تحديد الأسعار ،فإذا كنا نتبع نظام آلية تحديد الأسعار فيه العرض والطلب _رغم إعتراضي الجزئي على الآلية فيما يلي السلع الإستهلاكية الذي عبرت عنه بالأمس في رسالة لأمير الحركة الإسلامية _ فكيف يولد النظام نفسه قيودا أخرى لعمل هذه الآلية ،إذا أخذنا في الإعتبار أن أية زيادة في المرتبات لن تزيد حجم النقد المتداول كليا في البلد ؟ وقد بين إتحاد العمال أن كل ما طالب به هو تضمين مبلغ المائتين جنيه الذي هو عبارة عن منحتين متتاليتين من رئيس الجمهورية لمقابلة ارتفاع تكلفة المعيشة ولمقابلة إفرازات رفع الدعم عن الوقود في الموازنة الإسعافية السابقة ،تضمينهما في المرتبات كجزء أصيل حتى تدخل في حساب المعاش وبقية الحقوق عند احتسابها بدلا من أن تكون مجرد (عطية) لاصلة لها بالمرتب ،كما طالب الإتحاد بزيادة الحد الأدنى للأجور إلى مبلغ يقل عن الخمسمائة جنيه (425 جنيها) وهو في الوقت نفسه لا يمثل إلا نحو ربع الحد الأدنى لتكاليف المعيشة بحسب تقديرات رسمية للمجلس الأعلى للأجور قدرت قبل ثلاثة أشهر الحد الأدنى لتكلفة المعيشة بمبلغ 1947 جنيها .والحال هكذا لا نزال نسمع بآلاف الوظائف تتيحها الحكومة في كل عام منها نحو ثلاثين ألف وظيفة في موازنة العام القادم فضلا عن الوظائف الولائية التي تضمنتها موازنات الولايات ،والسؤال يفرض نفسه هنا إذا كانت الأجور غير مجزية للعاملين في الوظائف العامة فلماذا نضيف إليهم جحافل جديدة ممن يرتبطون بالوظيفة المكتبية فيصبحون أسرى لها فهي تحبسهم دون أن تطعمهم أو تتركهم يقتاتون من خشاش الرزق في الأرض؟ وإذا كانت الدولة راغبة في زيادة الأجور تدريجيا ولا تستطيع الزيادة الكبيرة نسبة لصعوبة توفير موارد لزيادة مرتبات ملايين الموظفين بمبالغ تتكاثر جملتها مهما كان حجم الزيادة في مرتب الفرد ضئيلا ،فلماذا تزيد أعداد الموظفين حتى تتفاقم أزمة الدولة من ناحية وأزمتهم وأزمة أسرهم من ناحية أخرى ؟أما كان الأجدى أن تتحول هذه المبالغ المعتمدة لوظائف جديدة كميزانيات لتمويل الخريجين ومشاريع ذات شراكات تعمل على تمليك الخريجين مشاريع بدل هذه الوظائف التي لن تفي احتياجاتهم ومسئولياتهم الأسرية والاجتماعية ،قد يعترضني أحدكم لماذا لا توظف الدولة إذا كانت محتاجة إلى وظائف ؟لأرد عليه بالقول إن جيوش الموظفين في كل مؤسسة لو أعدنا النظر وقيمناهم بمفاهيم الإدارة الحديثة لوجدنا فائض العمالة في كل مكان ،فلتعيد الدولة هيكلة موظفيها وتعيد (انتشارهم ) حيثما وجد نقص بدل التعيين الجديد ،لا نريد أنصاف الحلول فالوظائف الحكومية لن تفيد الناتج القومي أو الدخل القومي في شئ لن تزيد الاقتصاد إلا أعباءً. حاشية: تعلمون علم اليقين أن الوظيفة بل (الماهية ) كما تساءل أحدهم (ما هي؟) وأراد أن يقتبس قوله تعالى في موضع آخر (نار حامية) كونها سرعان ما تنطفئ فلا يبقى منها شئ في جيبك ،وقد اجتهد الكثيرون في الرد على القول بأن عتق الرقبة الذي تعتمده الشريعة كفارة في حالات مثل اليمين أو القتل الخطأ قد أصبح تاريخا ،اجتهدوا في الرد على ذلك بأن لكل عصر ظروفه ورقه ،وأن الوظيفة هي أهم مظاهر الإسترقاق في العصر الحديث ،كما أن الكثيرين يعتبرونها عديمة الجدوى خاصة في مثل ظروف بلادنا بدليل أن الموظفين عادة يلجأون إلى العمل الإضافي أو الاستثمار أو الهجرة ،وقد قال فيها الإمام حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين إنها _أي الوظيفة _أضيق أبواب الرزق. وعلى الحكومة أن تضبط آلية أسعار السلع الأساسية حتى لا تلتهب ولو باللجوء إلى شئ من الأسر لما هو محرر من أسواق.