لم تكن التراجيديا الوحيدة في خبر إطلاق جندي النار على زملائه من قوات (يونميد) فأرداهم قتلى متسبباً في جرح آخر، ومن ثم انتحاره بمنطقة مكجر بغرب دارفور أمس الأول، ولم يكن الاستثناء الوحيد في تاريخ البعثة الهجين طوال الأعوام الأربعة التي قضتها بإقليم دارفور منذ بدء مهمتها. الخبر في تفصيله العام بحسب إفادة عائشة البصيري المتحدثة باسم البعثة، التي حجبت تفاصيل القصة الدقيقة للحادثة إلى حين اكمال التحقيق، يشبه كثيراً نهاية جنود مقاتلين في أرض وديار غير ديارهم حسبما تروى عن جنود انتشروا في فجاج الأرض دفاعاً عن السلام العالمي غير معلوم الحدود. ورافق البعثة التي تشارك في تكوينها (38) دولة طوال تواجدها بدارفور إخفاق بائن في انفاذ التفويض الممنوح لها لحماية المدنيين ومد يد المساعدة لكل ما يجلب السلام للإقليم، ويعزو فشل البعثة الى ضعف الدعم اللوجستي وقلة التدريب، وبات في حكم المؤكد حاجتها لمن يحميها. بيد أن حالة قتل النفس تلك تحتاج الى حماية نوعية وهي اعلى تكلفة. ورد اللواء (م) محمد الأمين العباس في إفادته ل (الرأي العام) اسباب انتحار الجنود في المعسكرات واثناء أداء واجبهم الى عوامل نفسية وعملياتية، خاصة في حالة مقاتلة عدو غير معروف ومحدد ما يضع الجندي في حالة نفسية سيئة من التوجس، بجانب نقصان التدريب الاساسي وغير المكتمل، الذي يمكن الجندي بأداء مهمته، والامر الاهم الذي أوضحه العباس، البئية المحيطة بالجندي وبقائه داخل معسكرات بعيدة ومعزولة، لا تشبه بيئته التي قدم منها، وحسب العباس ان المناخ بدارفور جاف وقاحل، وهو لا يشبه مناخ الدول التي قدم منها هؤلاء الجنود وهي بيئة مخضرة. الأمر الثاني فقدان الجنود لوسائل الترفيه، التي توفر نوعاً من السعادة تحفظ التوازن النفسي لهم. وهناك سؤالٌ مهمٌ حسب العباس يجب ان يطرح هل ما يتقاضاه الجندي من اموال ومخصصات مقابل تواجده في مثل هذه الاماكن يساوي حياته؟ الإجابة تراوحت ما بين نعم من جهة. فقوات حفظ السلام في السودان بلغت ميزانيتها المرصودة طبقاً لآخر إفادات إبراهيم قمباري 17 مليون دولار كأضخم ميزانية في بعثات الأممالمتحدة، بالإضافة لطابعها الاستثنائي بحكم أنها مشتركة وخليط. عشر سنوات من مشاهدة الصراع الدارفوري بأبعاده السلبية النفسية والمعنوية بالإضافة للخسائر البشرية والمادية، والكم الهائل من إخفاقات من البعثة شكّلت عقداً وضغطاً نفسياً رهيباً على منسوبيها، بحسب سودانيين عملوا سابقاً في (يونميس)، بالإضافة لشعور أفراد (يونميد) بالاستهداف من قبل أبناء الأرض والحركات بسبب عدم حيدة تقارير قياداتهم حول الوضع في الأرض أو المعسكرات في سياق تركيز ورصد حكومي دقيق لنشاط البعثة، لكونها أصبحت من أخطر مصادر السلاح والعتاد للحركات بسبب ضعفها في حماية نفسها. واخيراً التقارير أكدت أنها فقدت قرابة ال (43) عنصراً من عناصرها .