أُقدّم إعتذاراً بأثرٍ رجعي لرقمٍ عاش زمنه بلا اعتراف مِنّا حتى ناله متأخراً جدّاً، الرقم هو الصفر الذي لولاه لاستحالَ ظهور علوم الكمبيوتر... الهندسة التحليلية هي التي ردّت الاعتبار للصفر فقد اعتبرته نقطة الأصل، ثمّ جاء علم الإحصاء الحديث فقدّم له أوراق اعتماده رَقَماً صحيحاً لا تكون الإحصاء إحصاءً إلاّ به! خط الصفر بين خطوط العرض هو خط الإستواء الذي تستوي به الدنيا إلى نصفين، نصفٌ شتوي ونصفٌ صيفي... وخط الصفر بين خطوط الطول هو خط غرينتش الذي يجعل العالم في ظرفي زمان متعاكسين في ذات الوقت، نصفٌ نهاري والنصفُ الآخر ليلي... والصفر بين درجات الحرارة في قياسها السنتقريدي غير الفهرنهايتي هو بوّابة الدخول إلى حالة التجمّد! قبل ثلاثة عقودٍ من الزمان كان الخيار (صفر) هو اتفاقية للتوازن النووي بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي، ولم تهدف تلك الاتفاقية إلى نزع السلاح النووي من (القوّتين الأعظم) بل دَعَتْ غيرهما للإحتشام النووي! في تقارير مستوى المعيشة لسكّان العالم خط الصفر ليس هو خط الفقر، فخط الصفر هو خط السِتْر، حيث تتساوى المُدْخَلات والمُخْرَجات... وخط السِتر لمن لا يعرف هو الخط الذي نبطش فيه أنا وأنت وأنتم ونحن نهارنا ونقضي عليه ليلنا! في يوم الحساب الأكبر عندما يتساوى ميزان حسناتنا وميزان سيئاتنا ننضم إلى أصحاب الأعراف، فنسأل أهل الجنّة عن أخبار لحم الطير والفاكهة، ونسأل أهل النار عن درجة الحرارة، لكنّا لا نذوق لحم الطير ولا الفاكهة، كما لا تذوقنا النار، فسنكون من أصحاب الأعراف الذين يؤشّرُ ميزان أعمالهم إلى الصفر! ما ساقني للإعتذار للرقم صفر، هو أنّ الميزانية التي ستديرنا لمدّة ثلاثمائة وخمسة وستين يوماً اقتربتْ ساعة صفرها، لذلك فإنّها ستهجم علينا بعجز عشرة أصفار على يمين الواحد! نجاحنا في مسارات السلام الثلاثة يمنحنا تأشيرة دخول جديدة لنبدأ من الصفر مرحلة بناء دولة الوطن... للفنان فرفور أغنية يقول مطلعها: يلاّ نبدأ من الصفر، رجائي ألاّ يصيبكم الإحباط فالصفر رقم عاقل، بل هو نقطة الأصل!!