المزاج العام للشعب قابل للقياس، علم الإحصاء الحديث جعل من ذلك ممكناً... فقد بات الآن من الممكن قياس الخوف القومي، وإذا كان ذلك بالقياس الكيفي فعلم الإحصاء منحنا الأدوات التي تحيله إلى قياسٍ كَمّي! في الأوّل من يناير هاتفني الأخ الأستاذ علي مختار بمركز الرؤية لدراسات الرأي العام، بأنْ أقوم بإعتقال نفسي والجلوس أمام شاشة النيل الأزرق بين الرابعة والنصف والسادسة مساءً، فمركز الرؤية يشارك قناة النيل الأزرق في إنتاج بانوراما (2012) ومنها تحليل لرؤية السودانيين حول أهم أحداث العام الذي تَصرّم في مجراها السياسي والاقتصادي والرياضي والفنّي... وإذا عُرِفَ كيف رأى السودانيّون السودان بعيون 2012 فستعرف ماذا يرجون من الأقدار في 2013! مركز الرؤية قَدّم استبانة (Questionnaire) لعينة مُختارة تمثل مختلف القوى الاجتماعية الحيّة طرحت عليهم أىّ الأحداث برأيه هو الأهم: هل هو يوميات التجاذب/ التنافر من وثيقة الدوحة أم احتلال هجليج أم قصف اليرموك أم المحاولة الانقلابية أم اتفاق التعاون أم إعفاء والي القضارف كرم الله أم اجتراح ولاية غرب كردفان ... طيفٌ من الخيارات للعينة طرفاه تل ابيب ورِجل الفولة! النسبة الأعلى من العينة رأت إنّ أهم الأحداث كان اتفاق التعاون بين السودان ودولة جنوبه... وهو اختيار ينحاز للأمام ويقفز فوق جراحات هجليج وفوق اليرموك وفوق دور الأفراد في مجرى السياسة ولو كانوا باقان أو كرم الله أو قوش! إذا مُنحتْ نتيجة القياس لمُحلل إحصائي غير سوداني للحكم على المزاج العام للسودانيين فسيحكم على المزاج العام للسودانيين بأنّه ينحاز إلى رغبةٍ متينة في التعاون الإيجابي والجوار الآمن، ولا يلتفت إلى القضايا التي تطير في الهواء بين السماء والأرض! تحيّاتي لمركز الرؤية على هذا الجهد القياسي وتسليمه تسليم مفتاح للقرار السياسي ... مبروك على السودانيين هذا (الإنحراف المعياري) الذي يكشف أنّهم صاروا رجائيين وبراجماتيين لا يلتفتون كثيراً إلى الخلف حتى لو كان في هذا الخلف خسائر في الأرواح والعتاد والوقت... لا يرجون من الجار سوى تشغيل ماكينة التعاون بتروس حريّاتٍ أربع أو بدون حريّات!!