خبراء فى الإتصال يوجّهون نقدهم للصحف السودانيّة بأنّها على كثرتها وتوالى ظهورها إلّا انّها تشبه بعضها... ليس من الخارج فقط وإنّما ايضاً من الداخل... لا تغامر صحيفة جديدة على دخول منطقة لم يدخلها من هم قبلها... ولذلك فمثلما تعانى حياتنا فجوة غذائيّة وفجوة دوائيّة فإنّها تعانى فجوة صحافيّة! فى صناعة الصحافة, أهم ما يربط الصحف بقارئيها هو أن تتقدّم قبل الآخرين فى قياس الرأى العام وقياس إتجاهات المجتمع السياسيّة فى القضايا العامة قياساً احصائيّاً استدلاليّاً... وهو عمل صحفى يختلف عن الاستطلاعات الصحفيّة التى تذهب الى تجّمع من الناس فى ميدان جاكسون لتسألهم عن توقّعاتهم لمسارات الأزمة المالية العالميّة واحتمال وصولها إلى سوق أم دفسو... أو تستطلع آراء بعض المجتمعين حول ست شاى هل هو من المؤيدين أو المعارضين لتوقيع السودان على إتفاقيّة سيداو! قياس الرأى العام وقياس الاتجاهات السياسية هى عمليّة اجرائيّة متعددّدة الخطوات تبدأ بتصميم استبيان (questionnaire) وأخذ عينة مجتمعيّة أو فئويّة او شرائحيّة بطريقة احصائيّة استدلاليّة... ثمّ وضع الإفادات على برنامج تحليلى بالكمبيوتر واخضاع النتائج للتحليل الإحصائى والخروج بالنتائج الأساسيّة... ثمّ اشهارها على الملأ بعد التأكّد من أنّ النتائج لها أهميّة احصائيّة! لا يليق ان تحاصرنا القضايا المصيرية من الاتجاهات الأربعة مثل سؤال الانتخابات والاستفتاء والحل الدارفورى ولا تقترب الصحافة من الجمهور لتلمّس أرائه وانحيازاته بينما تطارد صغار السياسيّين لتسألهم تصريحاً لا تبالى اعطوها أو منعوها! مدهش أن يقترب الاستفتاء ولم تقترب أىّ صحيفة من عينة جنوبيّة مأخوذة بتكنيك احصائى أو تذهب الى عينة على مستوى قومى لاخراج نتيجة الانتخابات العامة قبل بدايتها أو تبحث عن حظوظ الذين أعلنوا خوضهم انتخابات الرئاسة والذين لم يعلنوا حتى الآن دخولهم قفص الانتخابات! ومع ذلك نتوقّع انتاج قياسات للرأى العام والاتجاهات العامة حول الانتخابات القادمة واستفتاء الجنوب بالتعاون بين مراكز مختصّة وصحف... هنا سيتبدّل اتجاه السباق, فبدلاً من أن يجرى الصحفيون وراء السياسيين, سيهرول السياسيّون خلف الصحفيّين... فقد اقتنع المهرولون بأنّه عند الصحافة الخبر اليقين!!